والحقّ أنّهم وقعوا في خطأ في فهم كلا المصطلحين ، وهذا يؤكد أهمية فهم المصطلحات ، لأنّ التوحيد الربوبي ، غير التوحيد الخالقي ، إذ انّ معنى «الربوبية» ليس هو الخالقية ، بل معناه التدبير والإرادة ، وتصريف شئون العالم. ولذلك يمكن للإنسان أن يدّعي أنّ الخالق للعالم واحد وهو الله تعالى ، وهذا الخالق قد أوكل مهمة تدبير العالم إلى مخلوقات سماوية أو إلى الأرواح. وهذا ما كان شائعاً في زمن النبي إبراهيم عليهالسلام ، حيث كان أهل بابل يؤمنون بوجود خالق واحد ، ولكن في نفس الوقت كانوا يعتقدون بتعدّد الأرباب مثل الشمس والقمر والكواكب.
نعم لا بدّ من الالتفات إلى نقطة جديرة بالاهتمام ، وهي أنّه ومن الناحية الواقعية ، انّ التدبير في عالم الخلق لا ينفصل عن الخالقية ، بل انّ تدبير عالم الوجود ملازم للخالقية. ولكن ليس بحثنا هنا في الواقع الخارجي ، بل بحثنا بحث مفهومي نقصد به فصل مفهوم «الرب» عن مفهوم «الخالق» ، والسبب في ذلك لأنّنا لو راجعنا المعاجم اللغوية نجدهاتعطي لكلّ من المفهومين معنى خاصاً به ، فمعنى كلمة «رب» غير معنى كلمة «خالق» ، كما أنّ معنى «المدبرية» غير معنى «الخالقية» ، وهذا الفرق يحسّه الإنسان في حياته الاعتيادية ، فالفلّاح مثلاً «رب» للبستان ، ولكنّه ليس بخالق له ، ولذلك وانطلاقاً من هذا التصور والفهم لكلا المفهومين نجد أنّ مشركي «بابل» قد ذكروا لكلّ من المفهومين ـ في الخارج ـ مصداقاً مغايراً للمصداق الآخر ، وميّزوا بين خالق العالم وربّ العالم. (١)
__________________
(١). منشور جاويد : ٢ / ٢٤٨ ـ ٢٥١.