والجدير بالذكر أنّ هذا التفسير ينسجم مع النظرية القائلة بأنّ رسالة الأنبياء السابقين هي رسالة عالمية شأنها شأن الرسالة الإسلامية المحمّدية ؛ والحال أنّ عالمية الرسالة تنحصر برسالة النبي الأكرم محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم فقط. وأمّا غيره من الرسل السابقين فلا تمتلك رسالتهم تلك الخصوصية ، حتى رسالة النبي موسى عليهالسلام ورسالة المسيح عليهالسلام كانت مختصة بقومهما وبالمناطق التي بعثا فيها ولم تكونا رسالتين عالميتين ، ولقد فصّلنا القول في هذه المسألة في موسوعتنا مفاهيم القرآن. (١)
الوجه الثاني : إنّ المقصود من «أُولو العزم» هم كلّ الرسل ، لأنّه لم يبعث الله رسولاً إلّا كان ذا عزمٍ راسخ وإرادة محكمة في طريق تبليغ الرسالة الإلهية ، لأنّه لا جهاد من دون عزم وثبات.
وعلى هذا الأساس تكون لفظة «مِنْ» في قوله تعالى :
(أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) بيانية لا تبعيضية ، ويكون معنى الآية : اصبر واستقم كما صبر واستقام المرسلون من «أُولو العزم» من قبلك.
ويؤيد ذلك ـ كون جميع الأنبياء من «أُولو العزم» ـ قوله سبحانه :
(وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً). (٢)
ولا ريب أنّ العمل بالميثاق الغليظ يتوقف على العزم الراسخ والإرادة القوية التي تستتبع الصبر والثبات ، وأمّا تخصيص الخمسة بالذكر فما هو إلّا لعظمة شأنهم ورفعة مكانهم ، وهناك آيات أُخرى بنفس مضمون الآية
__________________
(١). مفاهيم القرآن : ٣ / ٧٧ ـ ١٠٦.
(٢). الأحزاب : ٧.