أنّ هذين النبيّين يتوفران على كلّ كمال ولا يفقدان أي كمال ، إلّا إذا اقتضت المصلحة ، عدم وجود ذلك الكمال عندهما كما كان الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم عاجزاً عن نظم الشعر ، كما في قوله تعالى : (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ ...). (١)
وعاجزاً عن القراءة والكتابة قبل البعثة كما في قوله :
(وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ ...) (٢)
وما ذلك إلّا لمصلحة عليا وأهمّ اقتضت أن لا يمنح الله سبحانه نبيّه ذلك الكمال ، لأنّه لو كان قادراً على نظم الشعر لكان ذلك ذريعة للكافرين لاتّهام القرآن بأنّه نتاج القدرة الفنية والأدبية للرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وكذلك لو كان الرسول الأكرم يعرف القراءة والكتابة لاتّهمه مخالفوه بأنّ ما جاء به من القرآن الكريم إنّما هو اقتباس ونقل من كتب القدماء من علماء اليهود والنصارى.
وليتجلّى الحق ناصعاً نسف القرآن الكريم تلك الاتّهامات الواهية التي لا أساس لها من الصحة وبيّن زيفها من خلال ما ذكرناه من الآيتين.
ولقد أشار القرآن الكريم إلى شمولية وسعة علم النبي الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم بتعبير خاص وطريقة متميزة حيث قال سبحانه :
(... وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً). (٣)
ولا ريب أنّ ورود جملة : (وَكانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً) عقيب الإشارة إلى علم النبي وحكمته المفاضة عليه من الله ، يدلّ على عظمة علمه صلىاللهعليهوآلهوسلم ويكفي في
__________________
(١). يس : ٦٩.
(٢). العنكبوت : ٤٨.
(٣). النساء : ١١٣.