جميعها وبالالتفات إلى معناها اللغوي وأصلها لا المعنى المتبادر منها اليوم ـ لا تدلّ على المعصية أبداً ، وذلك بالبيان التالي :
١. أمّا لفظة «عصى» فأنّ معنى العصيان في لغة العرب هو خلاف الطاعة ، قال ابن منظور : العصيان خلاف الطاعة ، العاصي الفصيل إذا لم يتبع أُمّه. (١)
وهذا يدلّ على أنّه ليس كلّ مخالفة تُعدُّ في الاصطلاح ذنباً ، لأنّ الإنسان الذي لا يسمع كلام الناصح المشفق يقال في حقّه أنّه خالف كلامه ، ولكن لا تُعدّ تلك المخالفة ذنباً في المصطلح.
٢. وأمّا لفظة «غوى» فالجواب عنها انّ الغيّ يستعمل في لغة العرب بمعنى الخيبة ، قال الشاعر :
فمن يلق خيراً يحمد الناس أمره |
|
ومن يغو لا يعدم على الغي لائماً |
أي ومن حُرم من الخير ولم يلقه ، لا يحمده الناس ويلومونه. ونحن إذا فسّرنا الغي بأيّ معنى من هذه المعاني فلا يستلزم ذلك الذنب والمعصية الشرعية ، فلنفرض انّ «غوى» مأخوذة من «غيّ» بمعنى الضلالة مقابل «الرشد» كما ورد في قوله تعالى : (... قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ...) (٢).
لكن ليس كلّ ضلال معصية ، فإنّ من ضلّ في طريق الكسب أو في طريق التعلّم أو تشكيل الأُسرة ولم يلتفت إلى كلام ناصحيه يصدق عليه أنّه غوى : أي ظلّ ، لأنّه لم يصل إلى النتيجة المطلوبة والمتوخّاة من عمله ، ولكنّ ذلك لا يلازم المعصية.
__________________
(١). لسان العرب : ١٠ / ١٦٧.
(٢). البقرة : ٢٥٦.