وقد ورد في كتاب «إرشاد القلوب» والكتب الأخلاقية الأُخرى : «الدُّعاء مُخّ الْعِبادَة». هذه هي الشبهة التي أثارها الوهابيون. (١)
جواب الشبهة
أوّلاً : ليس المقصود من تحريم دعاء غير الله في قوله سبحانه : (فَلا تَدْعُوا) تحريم مطلق دعاء غير الله ، بل المنهي عنه عبادة غيره سبحانه ، بشهادة صدر الآية حيث يقول سبحانه : (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ) ، فهذه الجملة دليل على أنّ المقصود في الآية هو النهي عن دعاءٍ خاص كان يُعدّ ملازماً للعبادة ، والنهي عن القيام المقترن بالذلّة والخضوع غير المتناهيين مقابل من يعتقد أنّ إدارة العالم بيده وأنّه الحاكم المطلق في الخلق. (٢)
ولا شكّ أنّ هذه القيود غير موجودة في طلب الشفاعة من إنسان يعتقد أنّ الله أعطاه حقّ الشفاعة بإذنه سبحانه.
ثانياً : إنّ الّذي حُرّم في الآية المباركة هو أن ندعو مع الله غيره ، وأن نعتبر المدعو في رتبة الله سبحانه ، ويوضح ذلك بجلاء قوله تعالى : (مَعَ اللهِ) ، فإذا توسّل إنسان بشخص الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم طالباً منه أن يدعو له ربّه ليغفر له ذنوبه أو يقضي له حاجته ، فإنّ ذلك الإنسان بلا شكّ ولا ريب لم يدعُ (مع الله) أحداً ، بل في الواقع أنّ هذا الدعاء لا يخرج عن كونه دعاءً لله وحده.
نعم إذا عُدَّ التوسّل وطلب الحاجة من الأوثان نوعاً من الشرك ، فإنّما ذلك بسبب أن المشركين كانوا يعتقدون أنّ الأوثان قادرة على تلبية حاجاتهم وتوفير
__________________
(١). إرشاد القلوب للديلمي : ١٣٥.
(٢). في الواقع أنّ معنى الآية هو : فلا تعبدوا مع الله أحداً كما ورد في قوله سبحانه : «ولا تدعوا مع الله إلهاً آخر».