(عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً). (١)
وقال المفسّرون : إنّ المقصود بالمقام المحمود : مقام الشفاعة ، بحكم الأحاديث المتضافرة التي وردت في هذا الشأن.
كلّ هذا ممّا اتّفق عليه المسلمون ، إنّما الكلام في أنّ طلب الشفاعة ممّن أُعطي له حقّ الشفاعة ، كأن يقول : «يا رسول الله اشفع لنا» هل هو شرك أو لا؟ وهل هذا يجدي نفعاً أم لا؟
وليس البحث في المقام في كون هذا الطلب مجدياً أو لا ، أنّما الكلام في أنّ هذا الطلب هل هو عبادة أو لا؟ وهل هو شرك أم لا؟ لأنّنا فعلاً في صدد معرفة حدود التوحيد والشرك لا معرفة كونه مفيداً أو لا.
إنّه مع الاتّفاق على معيار وملاك التوحيد والشرك يتّضح بجلاء حكم المسألة المذكورة ، فلو اعتقدنا بأنّ من نطلب منهم الشفاعة لهم أن يشفعوا لمن أرادوا ومتى أرادوا نعتقد أنّهم آلهة صغيرة وأنّهم قد فوّض إليهم أمر الشفاعة بحيث يشفعون لمن شاءوا من دون رجوع إلى إذنه وإجازته سبحانه وتعالى ، فإنّ من المحتّم أنّ هذا الطلب والاستشفاع عبادة ، وأنّ الطالب يكون مشركاً ، وذلك لأنّ الشفاعة من خصائص المقام الربوبي والإلهي ، ولا شكّ أنّ طلب الفعل الإلهي وما هو من شئونه من غيره يُعدُّ شركاً.
أمّا لو استشفعنا لأحد هؤلاء الشفعاء ونحن نعتقد بأنّه محدود مخلوق لله لا يمكنه الشفاعة لأحدٍ إلّا بإذنه ، فهذا الطلب لا يختلف عن طلب الأمر العادي ماهيّة ، ولا يكون خارجاً عن نطاق التوحيد ، وإن تصوّر أحد انّ هذا
__________________
(١). الإسراء : ٧٩.