الموحّد والعارف بالله بعوامل طبيعية كالشمس والماء وحرث الأرض والمواد الكيمياوية ، فقد استعان بالله حقيقة ، لأنّه تعالى هو الذي منح تلك العوامل ذلك الأثر وأذِنَ به ومنحها القدرة والطاقة بحيث تستطيع إنماء ما أودع في بطن الأرض من بذر ثمّ إنباته والوصول به إلى حدّ الكمال.
٢. أن نستعين بإنسان أو عامل طبيعي مع الاعتقاد بأنّه مستقل في وجوده وغني في فعله عن الله بحيث يستطيع مساعدتنا من دون الاتّكاء على القدرة الإلهية ومن دون أخذ الإذن والإجازة منه ، فلا شكّ أنّ هذا الاعتقاد يكون شركاً ، والاستعانة في هذه الحالة تكون مخالفة للآيات التي حصرت الاستعانة بذات الله سبحانه.
ولقد توهم صاحب المنار في بيانه لهذه الحقيقة إذ تصوّر أنّ حدّ التوحيد هو : أن نستعين بقدرتنا في تحصيل مقاصدنا. ونتعاون فيما بيننا ـ في الدرجة الأُولى ـ ثمّ نفوّض بقية الأمر إلى الله القادر ونطلب منه لا من سواه. (١)
إذ صحيح أنّنا يجب أن نستفيد من قدراتنا ، أو من العوامل الطبيعية المادية ، ولكن يجب بالضرورة أن لا نعتقد لها بأيّة أصالة وغنى واستقلال وإلّا خرجنا عن حدود التوحيد.
فإذا اعتقد أحد بأنّ هناك ـ مضافاً إلى العوامل والقوى الطبيعية ـ سلسلة من العلل غير الطبيعية تستطيع بإذن الله وإجازته تقديم العون لمن استعان بها دون أن يكون لها أيُّ استقلال لا في وجودها ولا في أثرها ، فإنّ هذا الفرد لو
__________________
(١). يقول الشيخ محمد عبده في تفسير (إيّاك نستعين) : يجب علينا أن نقوم بما في استطاعتنا من ذلك ، ونبذل في إتقان أعمالنا كلّ ما نستطيع من حول وقوّة ، وأن نتعاون ويساعد بعضنا بعضاً على ذلك ، ونفوض الأمر فيما وراء كسبنا إلى القادر على كلّ شيء ونلجأ إليه وحده ونطلب المعونة للعمل والموصل لثمرته منه سبحانه دون سواه. (المنار : ١ / ٥٨).