التوحيد ناكبون وعن ذكر الله معرضون». (١)
ولا يخفى عدم صحّة كلامه هذا ، إذ الاستعانة بغير الله كالاستعانة بالعوامل الطبيعية على نوعين :
أحدهما عين التوحيد ، والآخر موجب للشرك ؛ أو أحدهما مذكّر بالله ومقرب منه والآخر مبعّد عن الله.
إنّ حدّ التوحيد والشرك لا يكمن في كون الأسباب ظاهرية أو غير ظاهرية ، إنّما يكمن في الاستقلال وعدم الاستقلال ، والغنى والفقر ، والأصالة وعدم الأصالة.
إنّ الاستعانة بالعوامل غير المستقلّة المستندة إلى الله ، التي لا تعمل ولا تؤثر إلّا بإذنه تعالى ليس فقط غير موجبة للغفلة عن الله ، بل هي خير موجّه ، ومذكّر بالله. إذ معناها انقطاع كلّ الأسباب وانتهاء كلّ العلل إليه سبحانه.
ومع هذا كيف يقول صاحب المنار : «أُولئك عن ذكر الله معرضون»؟! ولو كان هذا النوع من الاستعانة موجباً لنسيان الله والغفلة عنه للزم أن تكون الاستعانة بالأسباب المادية الطبيعية هي أيضاً موجبة للغفلة عنه.
على أنّ الأعجب من ذلك هو كلام شيخ الأزهر الشيخ محمود شلتوت الذي نقل ـ في هذا المجال ـ نصّ كلمات عبده دون زيادة ونقصان ، وختم المسألة بذلك ، وأخذ بظاهر الحصر في (إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) غافلاً عن حقيقة الآية وعن الآيات الأُخرى المتعرّضة لمسألة الاستعانة. (٢)
__________________
(١). المنار : ١ / ٥٩.
(٢). راجع تفسير شلتوت : ٣٦ ـ ٣٩.