ولقد أشارت سورة التوحيد إلى تلك الحقيقة ، إذ بيّنت أنّ المعين الحقيقي والواقعي وفي جميع المراحل هو الله ، فلا تصحّ الاستعانة بأحد باعتبار معيناً مستقلاً ولهذه الجهة حصرت مثل هذه الاستعانة بالله وحده ، ولكن هذا لا يمنع بتاتاً من الاستعانة بغير الله باعتبار ذلك الغير غير مستقل (أي باعتباره معيناً بالاعتماد على القدرة الإلهية) ، ومعلوم أنّ استعانة كهذه لا تنافي حصر الاستعانة بالله سبحانه ، وذلك :
أوّلاً : لأنّ الاستعانة المخصوصة بالله هي غير الاستعانة بالعوامل الأُخرى ، فالاستعانة المخصوصة بالله هي : ما تكون باعتقاد أنّه قادر على إعانتنا بالذات وبدون الاعتماد على غيرها ، في حين أنّ الاستعانة بغير الله سبحانه إنّما هي على نحو آخر ، أي مع الاعتقاد بأنّ المعين قادر على الإعانة مستنداً على القدرة الإلهية لا بالذات وبنحو الاستقلال ؛ فإذا كانت الاستعانة ـ على النحو الأوّل ـ خاصة بالله تعالى ، فإنّ ذلك لا يدلّ على أنّ الاستعانة بصورتها الثانية مخصوصة به أيضاً.
ثانياً : إنّ الاستعانة بمخلوقات الله غير منفكّة عن الاستعانة بالله ، بل هي عين الاستعانة به تعالى ، وليس للموحد الذي يرى أنّ الكون كلّه من فعل الله ومسند إليه مناص من هذا ، وبما أنّ صاحب المنار لم يتصوّر للاستعانة بالأرواح المقدّسة أكثر من صورة واحدة ، لذلك ذهب إلى الملازمة بين الاستعانة بها وبين الشرك حيث يقول :
«ومن هنا تعلمون انّ الّذين يستعينون بأصحاب الأضرحة والقبور على قضاء حوائجهم وتيسر أُمورهم وشفاء أمراضهم ونماء حرثهم وزرعهم وهلاك أعدائهم وغير ذلك من المصالح ، هم عن صراط