علم إجمالا بمخالفة الظاهر إمّا بالنسبة إلى ظاهر محلّ الابتلاء وإمّا بالنسبة إلى ظاهر خارج عنه ، فنراهم يحكمون في الثاني بالنسبة إلى الظاهر المبتلى به بالحجيّة ، ويعاملون معه معاملة الاحتمال البدوي ، ولا يجعلونه مع الظاهر الآخر في عرض واحد ، وأمّا وجه ذلك فلا نعلم، وثبوت بنائهم على ذلك مسلّم.
وإن شئت توضيحه لك بالمثال فنقول : لو قال مولى لعبده في أحد بلاد العجم : أعلم جميع الطّلاب للضيافة ، وقال مولى آخر ببلاد الهند لعبده : اقطع أشجار هذه الأجمة ، وعلم بذلك العبد الأوّل ، وحصل له العلم الإجمالي بأنّه إمّا أنّ مولاه لم يقصد من الطّلاب شخصا معيّنا ، وإمّا أنّ مولى ذلك العبد لم يقصد من الأشجار الشجر الفلاني ، فلم يخبر الشخص المعيّن لأجل ذلك فآخذه المولى فاعتذر بأنّي علمت إجمالا بأنّه إمّا أنّك غير قاصد لهذا الشخص من عامّك ، وإمّا المولى الهندي غير قاصد للشجر المعيّن من عامّه الصادر بالنسبة إلى عبده ، فلا شكّ في أنّ هذا الاعتذار يضحك منه العقلاء ، فليس إلّا لأنّ الظاهر الخارج عن الابتلاء لا يحسبونه طرفا لما هو محلّ الابتلاء ، بل يجعلونه منحازا عن هذا.
وحينئذ لو علمنا في مقامنا بوقوع التحريف إمّا في آية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وإمّا في آية (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) وأنّه كان الأصل «ما انزل اليك في على عليهالسلام» فليس هذا مورثا للقدح في ظاهر الآية الاولى بعد كونها محلا للابتلاء وعدم كون الثانية كذلك.
وبالجملة ، المستند في المقام بناء العقلاء على الفرق بين الابتلاء بكلا الطرفين ، وبين الابتلاء بأحدهما ، وهذا الوجه جار ولو علم أنّ الخلل المحتمل فيه أو في غيره سقوط قرينة متّصلة بأحدهما ، ودعوى أنّ أصل وجود القرينة حينئذ معلوم ، والشكّ في وجوده في هذا أو ذاك ، ولم يعلم بنائهم على الأصل في هذا ، وبالجملة ، مورد الأصل ما إذا كان عروض الشكّ بعد استقرار ظهور الكلام وهنا لم يحرز استقرار الظهور ، فلو علم إجمالا بوجود قيد فاسقطوه إمّا في آية أوفوا بالعقود ، وإمّا في آية يا أيّها الرسول بلغ ، الآية ، فلا يبقى ظهور موثوق به للآية الاولى ، مدفوعة بما