وبالجملة ، يلزم حجيّة كلّ ظنّ بحكم الله الواقعي ، فإنّه ظن لا محالة بالكتاب أو السنّة ، للعلم بأنّه إمّا مدلول للسنّة قولا أو فعلا أو تقريرا ، وإمّا مدلول للكتاب ، ولا أقل من الأخير ؛ إذ (لا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) ، وبالجملة ، فالنتيجة أعمّ من المدّعى ؛ فإنّ المدّعى وجوب العمل بخصوص الظنّ الحاصل من الخبر لكونه مظنون الصدور، والنتيجة وجوب العمل على طبق كلّ أمارة ظنيّة.
وإن كان المراد بالسنّة هي الأخبار الحاكية للسنّة الواقعيّة فلا بدّ أن لا يكون جميع ما دوّن في الكتب ، وإلّا كان الدعوى من أوّل الأمر حجيّة تمام الأخبار ، بل لا بدّ من دعوى العلم الإجمالي بوجوب العمل على طبق خبر في ما بين الأخبار.
وحينئذ يرد عليه أوّلا : أنّ هذا المعنى ـ أعني كون خبر في ما بين أخبار الآحاد واجب العمل ـ ليس من الضروريات ، كيف والقائل بعدم الحجيّة موجود.
وثانيا : أنّه إن كان المراد هو العلم الإجمالي بوجود الخبر الصادر في مجموع الأخبار فهو راجع إلى الوجه الأوّل الذي قد عرفت الكلام عليه.
وإن كان المراد هو العلم الإجمالي بوجود الخبر الحجّة في ما بين الأخبار فلا شكّ أنّ الأخبار من هذه الجهة بالتفاوت ، مثلا الخبر القوي إذا لوحظ مع الخبر الضعيف كان الأوّل قدرا متيقّنا ، ثمّ القوي إذا لوحظ مع الممدوح كان أحدهما متيقّنا وهكذا.
وبالجملة ، لا يحتمل أحد أن يكون الخبر الصحيح الأعلائي مثلا غير حجّة ، ويكون الأدون منه حجّة ، فهو متيقّن الحجيّة لا محالة ، وحينئذ فإن انتفى العلم الإجمالي وانحلّ كان المتعيّن هو الاقتصار على الصحيح الأعلائي ، فإن لم يكن وافيا بالفقه فيؤخذ بالخبر الأوسع الذي قام على حجيّة الصحيح الأعلائي ، فإن لم يف هو أيضا فيؤخذ بثالث دلّ الثاني على حجيّته ، وهكذا إلى أن يفي.
ثمّ إن بقي بعد أخذ القدر المتيقّن المذكور أعني الصحيح الأعلائي علم إجمالي أيضا بأن علم بوجود الحجّة في غيره أيضا فلا محالة يكون في ما بين الباقي أيضا قدر متيقّن مثل خبر الثقة مثلا ، فإن كان في غير أيضا علم إجمالي فيؤخذ بالقدر