ذلك بناء على شموله للأحكام الوضعية كما هو الأظهر.
فإن قلت : كيف يحكم بصحّة الصلاة الفاقدة للجزء أو الشرط مع كونها غير مأمور بها بالفرض والحال أنّ الصحّة بمعنى موافقة المأتي به للمأمور به؟
قلت : إنّ الصحّة العقلية بالمعنى الذي ذكرت لا نقول بها ، بل نقول بالصحة الشرعية بالمعنى الذي ذكرنا وهو اكتفاء الشارع بهذا الناقص عن المأمور به.
وهذا الإشكال بعينه نظير ما أورد على قولهم بأنّ الجاهل مطلقا معذور في مسألة القصر والإتمام والجهر والإخفات ولو كان مقصرا ، فيقال إنّ الجاهل المقصّر بترك الجهر في مقام الجهر مثلا مكلّف بالجهر لا غير ومعاقب على تركه ، فكيف يحكم بصحة صلاته مع الإخفات مع أنّها غير مأمور بها.
وحلّه : أنّه يعقل أن يكون شيء غير المأمور به مشتملا على بعض مصالح المأمور به بحيث لو أتى بذلك الشيء لم يبق محلّ لاستدراك المأمور به فيسقط لذلك ، ولهذا مثال في العقل كما إذا فرضنا أنّ المولى أمر عبده بقتل عدوّه بالسيف ثم قتله العبد بغير السيف فإنّه يصحّ للمولى أن يرضى بهذا من العبد بدلا عن القتل بالسيف ، وإن كان فعله هذا فاقدا لبعض المصالح التي نشأ منها الحكم ، لكن لمّا كان مشتملا على بعض تلك المصالح وقد فات المحل ولا يمكن تدارك مقدار المصلحة الفائتة اكتفى المولى بما فعله العبد وقبله بدلا عن المأمور به ، ولا نعني بالصحة الجعلية والشرعية إلّا هذا المقدار ، فإذا كان هذا المعنى أمرا معقولا وساعد عليه ظاهر الدليل نقول به ، فاندفع الإشكال في المقامين والله أعلم.
وبهذا الوجه تشبّث جماعة من متأخّري المتأخّرين من الأصوليين (قدس الله أرواحهم) في توجيه القول بالإجزاء في الأوامر الظاهرية بالنسبة إلى الواقع ، فراجع وتدبّر.