وأما تقرير التخصيص فبوجهين : بيان أوّلهما يحتاج إلى تمهيد مقدمة ، وهي أنّ المعارضة التي تلاحظ بين الأدلة والأصول إنّما هي بين نفس الدليل ودليل الأصل لا بين دليل الدليل ودليل الأصل ولا بين نفس الدليل ونفس الأصل ، ووجه ذلك أما أنّ في جانب الأصول يلاحظ دليلها فلأنّه على التحقيق ليس الأصل إلّا القاعدة المستفادة من دليله ، والأصول الجزئية الجارية في مواردها مصاديق تلك القاعدة مثلا تقول : إنّ الاستصحاب الذي نجعله دليلا لحكم العمل في الموارد هو عين مفاد لا تنقض اليقين والاستصحابات الجزئية مصاديقه ، لا أنّ الاستصحاب دليل وقوله (عليهالسلام) : «لا تنقض» دليل الدليل وهذا واضح.
وأما في جانب الأدلة فنفس الدليل كقول العادل مثلا يجب كذا ويحرم كذا يعارض ما يقابله من الأصول لا دليله مثل صدّق العادل ، كيف ولو كان كذلك لزم أن يكون صدّق العادل باعتبار شموله لخبر «لا تنقض اليقين» وخبر «كل شيء حلال» معارضا لنفسه باعتبار شموله للأخبار المثبتة للأحكام.
إذا تمهّد ذلك فنقول : إذا لاحظنا عمومات أدلة أصالة البراءة والاستصحاب والاحتياط مع كل واحد واحد من الأدلة الخاصة الواردة في إثبات أحكام خاصة في موارد خاصة مثل وجوب كذا وحرمة كذا نجد أنّ موارد الأدلة أخصّ مطلقا من موارد الأصول فنخصصها بموارد الأدلة ، لكن هذا الوجه لا يتم كلية ، إذ قد يكون مورد الدليل أيضا أعم من مورد الأصل من وجه كما إذا قال : أكرم العلماء وكان بعضهم محرّم الإكرام في السابق دون بعض ، ففي المثال يكون إكرام العلماء أعم من دليل الاستصحاب من جهة شموله لغير الفرد الذي يجري فيه الاستصحاب ، كما أنّ الاستصحاب أعم من هذا الدليل لشموله سائر الموارد ، ولا يمكن أن يقال بتتميم المطلب بالإجماع المركّب فإنّه لم