أنه قد عرفت سابقا أنّه يمكن اعتبار ما كان بنفسه ناظرا إلى الواقع أصلا إذا كان اعتباره لا من حيث كونه ناظرا إلى الواقع وكاشفا عنه يعني لم يجعل مؤدّاه واقعا ، فإذا كان في ظاهر الدليل الدالّ على اعتبار الشيء ما يدل على اعتباره بوجه الدليلية أو الأصل فهو ، وإلّا فإن كان ذلك الشيء في نفسه ناظرا إلى الواقع وله جهة كشف عن الواقع فعلا أو نوعا فلا يبعد أن يصير ذلك قرينة على جعله بوجه الدليلية وإلّا فلا يثبت إلّا ما يترتّب على الأصل فتقدّم عليه الأدلّة الاجتهادية ويعارض الأصول.
تذكرة :
قد أشرنا في أول رسالة القطع في الجملة وفي أول رسالة الظن مفصّلا إلى التناقض المورد بين ثبوت الحكم الواقعي مطلقا حتى في حال الجهل به بناء على القول الصواب من التخطئة ، وبين الحكم الظاهري على تقدير التخلّف عن الواقع ، وأنّ ظاهر كلام المصنف هاهنا دفعه باختلاف موضوع الحكمين ، وذكرنا ما فيه فراجع.
قوله : لمناسبة مذكورة في تعريف الفقه والاجتهاد (١).
لا يحضرني ذكر المناسبة التي أشار إليها المصنف لأحد من الأصوليين ، ولعل المناسبة أنّهم عرّفوا الاجتهاد ببذل الفقيه وسعه في تحصيل الظنّ بالحكم الشرعي ، ومن المعلوم أنّ الأدلة الاجتهادية توجب الظنّ بالأحكام الواقعية ، فناسب توصيفها بالاجتهادية ، وأما بالنسبة إلى الأحكام الظاهرية العملية فإنّها
__________________
(١) فرائد الأصول ٢ : ١٠.