وأما إذا حصل العلم بعد الاضطرار بأحد الإناءين لا بعينه وارتكاب أحدهما ، فقد يقال إنّ الشبهة هنا بالنسبة إلى الباقي بدوية صرفة لا وجه للاحتياط فيه ، فهو كما لو أريق أحد الإناءين ثم حصل العلم الإجمالي. ويمكن دفعه بما ذكرنا في صورة الاضطرار بواحد معيّن من استصحاب التكليف الواقعي الذي كان ثابتا قبل الاضطرار والعلم الإجمالي ، فيؤثر ذلك في وجوب الاجتناب عن الباقي بحكم العقل كما مرّ بيانه هناك ، بل يمكن إثبات وجوب الاحتياط عن الباقي بقاعدة الاشتغال أيضا بأن يقال لمّا علمنا الآن بخمرية أحد الإناءين كذلك فقد علمنا بثبوت التكليف الواقعي حين وجود كلا الإناءين قبل تحقق الاضطرار ، فيجب الخروج عن عهدة ذلك التكليف بقدر الإمكان ، فهذا العلم اللاحق يقتضي تنجّز ذلك التكليف وصحة العقاب عليه على تقدير بقائه ، فهو نظير ما لو ارتكب أحد الإناءين عصيانا فإنّ قاعدة الاشتغال تقتضي وجوب الاجتناب عن الباقي وصحّة العقاب عليه لو كان حراما في الواقع ، فليتأمّل.
قوله : التحقيق أن يقال إنّه لا فرق بين الموجودات فعلا والموجودات تدريجا (١).
بل التحقيق أن يقال إن كان أصل التكليف مشروطا بوقته المتأخر عن زمان الخطاب كما لا يبعد أن يكون مثال وجوب الاعتزال عن النساء في المحيض من هذا القبيل فلا يجب الاحتياط ، إذ يكون الشك في كل زمان من أول الشهر إلى آخره في أصل التكليف لمكان الشك في تحقق شرطه فينفى بالأصل ، وإن كان التكليف مطلقا وكان معلقا على زمان الفعل كما لا يبعد أن
__________________
(١) فرائد الأصول ٢ : ٢٤٨.