قوله : لنا على ذلك وجود المقتضي للحرمة وعدم المانع عنها (١).
وببيان آخر أنا إذا راجعنا وجداننا لم نجد فرقا بين العلم الإجمالي بالحرام والعلم التفصيلي به في صحة العقاب على المخالفة لو اتّفقت ، وجهل المكلف تفصيلا ليس مانعا عن ذلك في حكم العقل ، بل نقول وكذا لو حصل العلم بتعلّق التكليف إما به أو بغيره كواجدي المني فإنّه يصحّ عقاب الجنب منهما لو ترك الغسل أو دخل المسجد ونحو ذلك عقلا لو لم يرد من الشارع ما يدل على البراءة ، بل نقول بذلك في الشبهة البدوية مطلقا لما عرفت سابقا من حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل فإنّ جميع المذكورات من واد واحد ، ولو لا الترخيص الشرعي كان الحكم وجوب الاحتياط في الكل بحكم العقل المستقلّ.
إلّا أنّ التحقيق عندنا جواز المخالفة القطعية ، وإثبات هذا المدّعى يتوقّف على أمرين : أحدهما دعوى أنّ حكم العقل بحرمة مخالفة حكم الشارع معلّق على عدم ترخيصه إياها بوجه من الوجوه لحكمة يراها في هذا الترخيص. الثاني دعوى ورود الترخيص من الشارع في مخالفة العلم الإجمالي ، أما الأول فقد مرّ بيانه مرارا في رسالة القطع وفي رسالة الظن في أول بحث حجية الخبر الواحد عند تعرّض كلام ابن قبة وفي أوائل مبحث البراءة ، ونقول هاهنا أيضا : إنا إذا راجعنا وجداننا نجد أنّ العقل لا يحكم أزيد من أنّ مخالفة حكم المولى موجبة لاستحقاق العقاب لو لم يأذن هو في ارتكاب جميع أطراف الشبهة ، لا بمعنى كون التعليق في حكم العقل فإنّه لا معنى له ، بل بمعنى كون موضوع حكم العقل مقيدا بعدم الإذن كما مرّ بيانه سابقا.
__________________
(١) فرائد الأصول ٢ : ٢٠٠.