اعتبر من حيث كشفه عن الواقع بخلاف الثاني فإنّه مجرد حكم العمل كما فهمه الفقهاء وأفتوا به.
فإن قلت : هذا التقرير أيضا لا ينفع ، لأنّ دليل حجية الأمارة يعارض دليل اعتبار الأصل في عرض واحد ، فإنّ دليل اعتبار الأصل يقول مثلا : إذا شككت فاعمل بالحالة السابقة ودليل حجية الأمارة يقول : إذا شككت فحصّل الواقع بقول العادل أو البيّنة ، فلا جرم يتعارضان ويناسبه الحكم بالتخيير.
قلت : ليس كذلك ، بل دليل حجية الأمارة يقول : إنّ الواقع في حكمي هو قول العادل ، وإن كنت شاكّا بحسب الوجدان فلست بشاك في حكمي بل أنت مدرك للواقع بقول العادل ، فهو حكمك لا حكم الشاك ، وبهذا يحصل الحكومة.
وكيف كان ، فقد عرفت أنّ الصحيح من تقرير حكومة الأدلة الاجتهادية على الأصول العملية هو التقرير الثالث السالم عما يرد على التقريرين الأوّلين ، ولا يبعد أن يكون التقرير الأول وهو مختار المصنف راجعا إلى الثالث بنحو من التمحل ، فليتأمّل.
وأما تقرير الورود فهو أيضا يمكن بوجوه :
الأول : أن يقال إنّ الشك الذي هو موضوع للأصول الشرعية أعم من الشك بالنسبة إلى الحكم الواقعي أو الحكم الظاهري ، مثلا قوله (عليهالسلام) : إذا شككت فابن على الحالة السابقة معناه أنّه إذا شككت في مطلق الحكم الشرعي أعم من الواقعي أو الظاهري فابن على الحالة السابقة ، وبعبارة أخرى إذا تحيّرت في أحكام الشارع وانسدّ الطريق عليك بكلّ وجه فاعمل بالحالة السابقة ، كما أنّ الشك الذي هو موضوع الأصول العقلية كأصالة البراءة العقلية وأصالة التخيير والاحتياط كذلك جزما كما لا يخفى ، ومن المعلوم أنّه بعد ورود