ولو كانت هذه الحيثية أيضا جعلية بتعبّد الشارع على ما مرّ بيانه ، والمراد بالأصل كل ما اعتبره الشارع حكما للعمل من غير نظر إلى الواقع ـ إنّ الدليل بنفسه مع قطع النظر عن لسان دليل اعتباره ناظر بالنظر القهري دون القصدي إلى الأصول العملية ، لأنّ مفاده كون مؤدّاه نفس الواقع واقعا بحكم الشارع ، ومن عمل به عمل بالواقع ومن أدركه فقد أدرك الواقع في حكمه ، ومن أدرك الواقع لا بدّ له أن لا يعمل بالأصل الذي لا يوصل إلى الواقع ، لا أقول إنّ موضوع الأصول هو الشك في الحكم أعمّ من الواقعي الحقيقي أو التنزيلي حتى يرتفع الموضوع بورود الدليل ويكون ذلك من باب الورود ، بل الموضوع هو الشك في الحكم الواقعي الأوّلي كما أنّ موضوع الدليل أيضا هو ذلك ، بل أقول إنّ الدليل الاجتهادي إنّما يرد ناظرا إلى حكم ذلك الموضوع ذاك الحكم الذي جعل لا من حيث كشفه عن الواقع ، فيكون مخصصا لدليل حكم الأصل بلسان الحكومة ، فيصير محصّل مفاد دليل الأصل بعد ملاحظة هذا المطلب أنّ حكم الشاك أن يعمل على كذا إلّا إذا أدرك الواقع التنزيلي بحكم الشارع.
وقد ظهر مما ذكرنا أنّه لا فرق بين ما لو أخذ الشك في موضوع دليل الأصل في لسان الشارع صريحا كأن يقول : إذا شككت فابن على الحالة السابقة مثلا وعدمه ، وكذا بين ما أخذ لفظ الشك في دليل حجية الأدلة كأن يقول : إذا شككت فاعمل بقول العادل وعدمه ، لأنّ المناط أنّ الحاكم ناظر إلى الواقع وكاشف عنه ، وهذا المعنى لا يختلف باختلاف التعبيرات ، ومن هنا نقول إنّ قوله (عليهالسلام) : «الشاك من الإمام والمأموم يرجع إلى الذاكر منهما» (١) حاكم على قوله (عليهالسلام) : «إذا شككت فابن على الأكثر» (٢) لأنّ الأول قد
__________________
(١) ورد مضمونه في الوسائل ٨ : ٤٢١ / أبواب الخلل في الصلاة ب ٢٤ ح ٨.
(٢) الوسائل ٨ : ٢١٢ ـ ٢١٣ / أبواب الخلل في الصلاة ب ٨ ح ١ و ٣ (باختلاف يسير).