الدليل الظنّي يزول الشك بهذا المعنى ويرتفع التحيّر الذي هو موضوع الأصل تحقيقا.
الثاني : أن يقال إنّ العلم الذي جعل في أدلة الأصول غاية لحكم الشك أعمّ من العلم الوجداني والعلم الشرعي التنزيلي الحاصل من الأدلة الظنية ، وهذا التقرير قريب من الأول لأنّ لازم كون الشك المأخوذ في الموضوع أعمّ كون العلم المأخوذ غاية أيضا أعم وبالعكس ، نعم يفرّق بينهما بأولية الاعتبار وثانويته ، فإن جعلت الموضوع أعم تتبعه أعميّة الغاية ، وإن جعلت الغاية أعم تتبعه أعمية الشك المأخوذ موضوعا.
ومما يشهد للتقرير الثاني بل الأول أيضا لرجوعه إليه ، أنّ اليقين المأخوذ غاية في الاستصحاب أعم من اليقين الحقيقي بدليل أنّ اليقين المستصحب أعم ، فإنّ من حكم بطهارة هذا الماء أو الثوب مثلا بقول البيّنة ثم شك بعد ذلك في عروض النجاسة له يجري الاستصحاب أعني استصحاب الطهارة مع أنه لم يكن متيقّنا باليقين الوجداني ، ويبعد كلّ البعد أن يكون اليقين الذي جعل غاية بمعنى آخر سيّما بملاحظة قوله (عليهالسلام) : لا تنقض اليقين إلّا بيقين مثله (١) فلا جرم يكون اليقين الثاني مماثلا لليقين الأول في العموم والخصوص.
الثالث : أن يقال إنّ دليل اعتبار الأصول قاصر الشمول لمورد وجود دليل اجتهادي على خلافه أو وفاقه ، ولا إطلاق له بحيث يحتاج في الخروج عنه إلى دليل ، وذلك بدعوى أنّ في طريقة العقلاء في أحكام الموالي والعبيد أنّهم إذا جعلوا حكما للعمل في مقام الشك يريدون به حكم صورة فقد الأمارات المنصوبة لتحصيل الواقع ، وحينئذ نقول إنّ الشارع أيضا يجري مجرى العقلاء
__________________
(١) ورد مضمونه في الوسائل ١ : ٢٤٥ / أبواب نواقض الوضوء ب ١ ح ١ وغيره.