جعل أحد طرفي الشك واقعا يعني تنزيلا ، كما لا يبعد أن يكون اعتبار يد المسلم وأصالة الصحّة في فعل المسلم من هذا القبيل ، وأما إذا استفيد منه أنّ الشاك يأخذ بالاحتمال الكذائي فهو الأصل.
والحاصل : أنّ الأصل ما يدل على حكم العمل من غير تنزيل مؤدّاه منزلة الواقع ، والدليل الذي يقدّم مطلقا على الأصل ما يدلّ على كون الواقع مؤدّاه حقيقة كما في العلم أو تنزيلا كما في سائر الأدلّة ، سواء كان في نفسه ناظرا إلى الواقع أم لا.
قال المصنف في رسالة الاستصحاب في ذيل العبارة التي حكيناها آنفا : قد ذكرنا أنّه قد يكون الشيء غير الكاشف منصوبا من حيث تنزيل الشارع الاحتمال المطابق له منزلة الواقع (١) انتهى. وهذا الكلام قريب من التحقيق الذي ذكرناه أو عينه ، وبين كلاميه تدافع على الظاهر.
فإن قلت : كيف يمكن جعل ما ليس بطريق أصلا وبالمرة طريقا كأحد طرفي الشك؟
قلت : بناء على أنّ الأحكام الوضعية مجعولة فوجه الجعل واضح ، وأما بناء على نفي الأحكام الوضعية كما هو مختار المصنّف فنقول إنّه في حد جعل سائر الأدلة والأمارات التي لها جهة كشف في الجملة وليست طريقا بنفسها ، فإن كان المراد هناك ترتيب الآثار التكليفية فليكن هاهنا كذلك ، وإن كان غيره فهنا كذلك حرفا بحرف من غير تفاوت بالمرة.
إذا عرفت أنّه يمكن أن يجعل الشيء في مورد الشك دليلا اجتهاديا كما
__________________
(١) فرائد الأصول ٣ : ٣١٩.