طهارة ، كان الحكم تقديم جانب الحرمة لعين ما ذكر ، فلا دخل لذلك بجعل البدل ، ولا يخفى أن هذا الوجه يكون جوابا آخر لأصل الاستدلال بالاستقراء بمعونة هذا المثال فإنّه ليس من مورد دوران الأمر بين الواجب والحرام الذي نتكلّم عليه.
قوله : مع أنّ القائل بتغليب جانب الحرمة لا يقول بجواز المخالفة القطعية (١).
لا يخفى أنّ المستدل لاحظ كلا من طرفي الشبهة واقعة مستقلة دار أمرها بين الوجوب والحرمة قد غلّب الشارع فيها جانب الحرمة ، فلذا جعل المثال من قبيل ما نحن فيه ، فردّ عليه المصنف بأنّ التكليف بكل من الوجوب والحرمة في المثال معلوم إجمالا ولمّا اشتبه الأمر علينا دار أمرنا بين الوضوء بكلا الإناءين ، وبين ترك الوضوء بهما أو الوضوء بأحدهما دون الآخر ، وعلى الأولين يلزم المخالفة القطعية لأحد التكليفين وإن استلزم الموافقة القطعية للآخر ، فيتعيّن الثالث بحكم العقل والعقلاء فرارا عن المخالفة القطعية ولو لم يلازم الموافقة إلّا الاحتمالية لكن الشارع جعل الحكم موافقا للاحتمال الثاني المستلزم لترك الواجب جزما ، وهذا مما لا يقول به المستدل.
فإن قلت : لعل المستدل يستشهد بهذا المثال لما نحن فيه بالأولوية ، فإنّه لما قدّم جانب الحرمة على الواجب المعلوم كان تقديمه على احتمال الوجوب أولى.
قلت : مضافا إلى أنّ الاستقراء المطلوب لا يحصل بهذه الاستنباطات ، فيه أنه لا حجية في هذه الأولوية لأنّها غير قطعية.
__________________
(١) فرائد الأصول ٢ : ١٨٧.