فينتقل السّامع من اللّفظ المسموع الخارجي إلى صورته ونقشه الموجود في لوح النّفس ، ومن صورة اللّفظ المنقوشة في النّفس ، إلى ذلك اللّفظ المسموع ، فلا استعمال ولا دلالة في البين ؛ إذ في الاستعمال يحصل الانتقال من اللّفظ إلى الصّورة ومنها إلى المعنى ، ومنه إلى الخارج أو غيره ، فلا انتقال في الاستعمال من الصّورة إلى اللّفظ.
وبعبارة اخرى : إنّ الانتقالات في الاستعمالات والدّلالات طوليّة مترتّبة ، وفيما نحن فيه دوريّة متعاكسة ، كالفكر الّذي يكون حركة إلى المبادي ومنها إلى المراد ولا مشاحّة في إطلاق الدّلالة في المقام ـ أيضا ـ لكن لا الدّلالة الوضعيّة الاصطلاحيّة ، بل بمعنى جعل اللّفظ دالّا بواسطة إيجاد كاشفه وحاكيه ، ومدلولا في الآن المتأخّر لانكشافه بذلك الكاشف الحاكي الموجود بواسطة اللّفظ.
وأمّا الدّلالة الوضعيّة ، فمستحيلة للزوم اتّحاد الدّال والمدلول.
ودفع هذا المحذور بما عن المحقّق الخراساني قدسسره من التّعدّد الاعتباري اللّحاظي مندفع بأنّ عنوان الصّادريّة وما قاربها ، إنّما ينتزع في رتبة متأخّرة عن الاستعمال ويقع بعد صدور اللّفظ ، فكيف يقع مثل هذا العنوان مصحّحا للاستعمال الواقع قبله!
على أنّ الدّلالة الوضعيّة ، مستلزمة لاجتماع اللّحاظين (الآلي والاستقلالي) وصيرورة ما «به ينظر» عين ما «فيه ينظر». (١)
ثمّ إنّ المحقّق الخراساني قدسسره بعد الإشارة إلى أنّ هذا القسم (إطلاق اللّفظ وارادة شخصه) ليس من باب الاستعمال ـ قال : ما هذا لفظه : «بل يمكن أن يقال : إنّه ليس ـ أيضا ـ من هذا الباب ، ما إذا اطلق اللّفظ واريد به نوعه أو صنفه ، فإنّه فرده
__________________
(١) راجع ، تهذيب الاصول : ج ١ ، ص ٣٢ و ٣٣.