ولنعم ما أفاده الإمام الرّاحل قدسسره في المقام ، حيث قال ما محصّله : إنّ إطلاق اللّفظ وإرادة شخصه ليس من باب الاستعمال والدّلالة الوضعيّة ، بل إنّما هو عبارة عن إيجاد صورة الموضوع وإحداث نقشه في ذهن السّامع لينتقل منها إلى شخص الموضوع ، نظير الانتقال من صورة اللّفظ المنقوشة على القرطاس إلى شخص هذا اللّفظ ، فتكتب وتنقش بإطلاق اللّفظ وإلقاءه صورته ونقشه على لوح نفس السّامع وقرطاس قلبه ، فينتقل منها إلى شخص ذلك اللّفظ ، غاية الأمر ، عمل الكتابة على القرطاس إنّما يكون بقلم من الأقلام ، وعلى لوح النّفس وقرطاس القلب بقلم اللّسان ، فآلة إيجاد النّقش والصّورة هناك هي الأقلام وهنا هو اللّسان ، والقابل هناك هو القرطاس وهنا هو لوح النّفس الّذي هو قرطاس بمعناه العامّ ، كالصّراط والميزان وغيرهما ، فإذا ليس المقام من باب الدّلالة على نفسه ولا الاستعمال في نفسه.
ضرورة ، أنّ الحروف المتصرّمة إذا صدرت عن المتكلّم تحصل منها صورة في ذهن السّامع من قرع الهواء وتموّجه في ناحية الصّماخ حتّى يمرّ عن الحسّ المشترك والخيال ويصل إلى النّفس ، وليس الموجود فيها عين الموجود في عالم الخارج عينا وشخصا ، وإلّا لانقلب الذّهن خارجا مع أنّ الخارج أمر متصرّم سيّال منصرم لا قرار له ولا بقاء ، بخلاف ما في لوح النّفس من النّقش فهو أمر ثابت قارّ.
وحينئذ إذا حمل عليه ما يكون من خواصّ هذا اللّفظ في الخارج ـ كاللّفظيّة حيث إنّها من خواصّ ما يلقى باللّسان ـ وقامت قرينة عليه ، يتوجّه ذهنه من الصّورة المتصوّرة ، إلى اللّفظ الصّادر أوّلا.
ولك أن تقول : هنا انتقال ، كالحركة الانعطافيّة من دون إنشاء وإيجاد ،