أمّا مقام الثّبوت ، فنقول : إنّ غاية ما يمكن أن يقال في تصوّر القول بكون الألفاظ موضوعة للمعاني المرادة ، وجوه :
الأوّل : قد حقّق في مبحث الوضع ، أنّه عبارة عن تعيين اللّفظ بإزاء المعنى بلا حصول علاقة تكوينيّة بينهما أصلا ، لا بنحو العلّيّة والمعلوليّة ولا بنحو الملازمة ، وأنّ تفسيره بالتّعهّد والالتزام (تعهّد الواضع والتزامه بأنّه متى أراد إفهام المعنى الفلاني تكلّم بلفظ كذا) أو بنحو ارتباط خاصّ بين اللّفظ والمعنى ، ممنوع ؛ لكونه راجعا إلى التّفسير باللّازم ، كما أنّ القول بكون الوضع حيثيّا لا مطلقا ـ أيضا ـ مردود ؛ لابتنائه على ما اشير إليه من التّفسير.
ومن المقرّر في محلّه : أنّ أفعال ذوي العقول معلّلة بالأغراض والغايات حتّى الأفعال العبثيّة واللّغويّة. (١)
فالعلّة الغائيّة في الأفعال ممّا لا بدّ منها ، وهي من العلل الأربع ، وتكون علّة لفاعليّة الفاعل بوجودها العلميّ ، ومعلولا متأخّرا بوجودها العينيّ ، ولذا قالوا في بيان موقف الغاية : «إنّها أوّل البغية وآخر الدّرك» أو : «أوّل الفكر وآخر العمل» فهي بوجودها العلميّ الذّهني مؤثّرة في تحريك الفاعل وبعثه نحو العمل ، والمعلول لكونه رشحة من رشحات العلّة يكون تابعا لها سعة وضيقا ، إطلاقا وتقييدا ، فيتضيّق بضيقها ويتقيّد بتقيّدها ، وليس هذا تقييدا وتضييقا ، بل تقيّد وتضيّق ذاتيّ يدور مدار استعداد المعلول وظرفيّته ، فلا يمكن له أن يكون أوسع من علّته.
__________________
(١) حيث إنّها معلّلة بأغراض غير عقلائيّة.