هذا ، إذا كان المراد منه ، هو التّبادر عند المستعلم (الجاهل بالوضع) ، فيندفع الدّور بالتّغاير حسب الاعتبار وهو الإجمال والتّفصيل ، وأمّا إذا كان المراد منه هو التّبادر عند غير المستعلم (العالم بالوضع) ، فالتّغاير ذاتيّ ؛ حيث إنّ ما يتوقّف على التّبادر عند أهل اللّسان والعالم بالوضع هو علم المستعلم الّذي هو الجاهل بالوضع ، وما يتوقّف عليه التّبادر عندهم هو علمهم به من أيّة ناحية حصل ، والفرق بين هذين العلمين (علم المستعلم وعلم أهل اللّسان) ذاتيّ ، كما لا يخفى ، هذا هو طريق حلّ شبهة الدّور.
وأمّا الطّريق الّذي سلك إليه المحقّق العراقي قدسسره من : «أنّه يكفي في ارتفاع الدّور تغاير الموقوف والموقوف عليه بالشّخص ، لا بالنّوع ولا بالصّنف ، ولا شبهة في مغايرة العلم الشّخصي الحاصل بالتّبادر مع العلم الشّخصي الّذي يتوقّف عليه التّبادر». (١)
ففيه : أنّه إذا كان العلم بالوضع ـ ولو تفصيلا ـ حاصلا قبل التّبادر فما معنى العلم به من ناحية التّبادر؟ وهل هذا إلّا تحصيل الحاصل!
ثمّ إنّ للمحقّق العراقي قدسسره تفصيلا في إنكار وجود الثّمرة العمليّة في المقام ، فقال : ما محصّله : أنّ هذا البحث إنّما ينتج بناء على أنّ مدار حجيّة اللّفظ هو «أصالة الحقيقة» أو «أصالة عدم القرينة» تعبّدا وإن لم يكن هناك ظهور أصلا ، فنحتاج على هذا الأساس لإحراز الموضوع له والمعنى الحقيقي ، إلى التّبادر ، وأمّا بناء على ما هو التّحقيق من أنّ مدار الحجيّة ، هو الظّهور ولو بأيّ نحو حصل ، بقرينة أو بدونها ، فلا جدوى لهذا البحث ، كما لا يخفى. (٢)
__________________
(١) كتاب بدائع الأفكار : ج ١ ، ص ٩٧.
(٢) راجع ، مقالات الاصول : ص ٣١.