الوضع ، وحيث إنّ استعمال اللّفظ في معناه الحقيقيّ صحيح ومطّرد ، فجعل الاطّراد علامة للحقيقة. (١)
وفيه : أنّ هذا مستلزم للدّور الواضح ؛ إذ العلم بصحّة الاستعمال واطّراده يتوقّف على العلم بالوضع والمعنى الموضوع له ، والمفروض ـ أيضا ـ أنّ العلم بالوضع متوقّف على الاطّراد ، فهذا دور باطل.
اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ الاطّراد من آثار الوضع ، فيدلّ عليه دلالة الأثر على المؤثّر ، على ما أشرنا إليه في التّبادر ، من أنّ انسباق المعنى من اللّفظ في جميع الأحوال والفروض بلا ضمّ أيّة قرينة ، دليل على الوضع ، وأنّ الانسباق والتّبادر يكون حاقّيّا ، ولكن هذا كما ترى ، راجع إلى التّبادر ، فالعلامة حقيقة ليست إلّا التّبادر الحاقّي ، والاطّراد علامة على هذه العلامة ، فتأمّل.
ومنها (من علائم الحقيقة والمجاز) : تنصيص اهل اللّغة وعدمه.
بتقريب : أنّهم كانوا مرجعا في تعيين الأوضاع ويقبل قولهم فيما قالوا ، إمّا من جهة كونهم من أهل الخبرة ، أو من جهة الشّهادة ، أو الانسداد.
وفيه : أنّ اللّغويين ليس من شأنهم بيان الأوضاع وإحصاء المعاني الحقيقيّة ، وبيان المعاني المجازيّة وتعيينها ، بل شأنهم بيان موارد استعمالات اللّغات والألفاظ فقط ، ولذلك ترى ، أنّهم قد يذكرون للفظ واحد معان كثيرة ، مع أنّه ليس بمشترك لفظيّ موضوع لها بأوضاع متعدّدة مستقلّة ، نظير لفظ : «الوحي» حيث إنّهم ذكروا له معاني متعدّدة وهي الإشارة والإلهام القلبي والصّوت الخفيّ وغيرها (٢) مع أنّ معناه
__________________
(١) راجع ، نهاية الاصول : ج ١ ، ص ٣٦ و ٣٧.
(٢) مجمع البحرين : ص ٨٦ و ٨٧ ؛ والمصباح المنير : ج ٢ ، ص ٨٩٧.