أمّا القول الثّاني : فقد استدلّ عليه بوجهين :
أحدهما : أنّ المقصود من الوضع هو التّفهّم ، ولا يخفى ، أنّ الاشتراك مخلّ به ؛ لخفاء القرائن ، فيكون مخلّا بالحكمة.
ولكن يمكن الجواب عنه ، أوّلا : بمنع الإخلال بالتّفهّم ؛ لإمكان الاتّكال على القرائن الواضحة الجليّة الخالية عن الخفاء.
وثانيا : بمنع كون الخفاء والإجمال مخلّا بالحكمة ؛ إذ ربما يتعلّق غرض المتكلّم بالإجمال.
ثانيهما : ما عن بعض الأعاظم قدسسره فقال : «وأمّا ما نراه من أنّ حقيقة الوضع : التّعهّد والالتزام النّفسانيّ ، فلا يمكن الاشتراك بالمعنى المشهور وهو تعدّد الوضع على نحو الاستقلال في اللّفظ الواحد.
والوجه في ذلك ، هو أنّ معنى التّعهّد ، كما عرفت : عبارة عن تعهّد الواضع في نفسه ، بأنّه متى ما تكلّم بلفظ مخصوص لا يريد منه إلّا تفهيم معنى خاصّ ، ومن المعلوم ، أنّه لا يجتمع مع تعهّده ثانيا بأنّه متى ما تكلّم بذلك اللّفظ الخاصّ لا يقصد إلّا تفهيم معنى آخر يباين الأوّل ؛ ضرورة ، أنّ معنى ذلك ليس إلّا النّقض بما تعهّده أوّلا». (١)
وفيه : أوّلا : أنّ الوضع ليس بمعنى التّعهّد ، بل معناه : تخصيص اللّفظ بالمعنى وتعيينه بإزائه ، على ما مرّ في مبحث الوضع.
وثانيا : لو سلّم ذلك ، فالمناقضة بين المعنى الثّاني والأوّل وعدم كونهما
__________________
(١) محاضرات في اصول الفقه : ج ١ ، ص ٢١٣.