نعم ، إسناد الفعل إلى الموجود الزّماني دليل على وقوع المادّة المنتسبة إليه في زمن من الأزمنة ، إلّا أنّ هذه دلالة عقليّة من باب لا بدّيّة الزّمان للزّمانيّات ، نظير لا بدّيّة المكان للمكانيّات.
ففي مثل «نصر زيد» تدلّ كلمة : «زيد» على الذّات ، ومادّة : «النّصر» على حدثه ، وهيئة «نصر» على صدور هذا الحدث من ذلك الذّات ، وهنا زمان قطعا ولا مناص منه ، إلّا أنّه لا دالّ آخر يدلّ عليه.
لا يقال : لو كان مدلول الفعل مجرّدا عن الزّمان وكان الزّمان أجنبيّا عن مدلوله ، لجاز استعمال الماضي في موضع المستقبل وبالعكس ، مع أنّ هذا من أوضح الأغلاط ؛ وعليه ، فلا مناص من القول بكون الزّمان مأخوذا في معنى الأفعال.
لأنّه يقال : قد عرفت : أنّ الفعل إنّما يدلّ بمادّته على نفس الحدث ، وبهيئته على نسبة ذلك الحدث إلى الذّات ، ولا ثالث فيه عداهما حتّى يدلّ على الزّمان ، وأنّ تلك النّسبة وقعت في زمن ماض أو تقع في زمن مستقبل.
نعم ، في كلّ من الفعلين خصوصيّة موجبة للميز وعدم صحّة استعمال أحدهما مكان الآخر ، فالفعل الماضي يحكي عن وقوع نسبة الحدث إلى الذّات قبل زمن التكلّم والإخبار ، ولازمه المضيّ ووقوعها في الزّمن السّابق ، والفعل المضارع إنّما يحكي عن وقوع نسبة الحدث إلى الذّات زمن التّكلّم أو بعده ، ولازمه هو الوقوع في الحال أو الاستقبال.
بعبارة اخرى : أنّ الماضي يدلّ على التّحقّق الملازم للمضيّ ، والمضارع يدلّ على التّرقّب الملازم للاستقبال ، ولأجل هاتين الخصوصيّتين يمتاز أحد الفعلين عن الآخر ، وهذان الفعلان يستعملان في جميع الموارد ، بلا تجوّز وعناية ، سواء اسندا إلى