بلا استعلاء «أمرا».
والدّليل على هذا المدّعى ، هو التّبادر ، وعدم صحّة السّلب ، كما هو واضح.
ولا يخفى ، أنّه ليس المراد من العلوّ المعتبر في الآمر هو العلوّ الواقعي بأن يكون الآمر صاحب الملكات الفاضلة والصّفات الحسنة ، بل هو أمر اعتباريّ منشؤه ـ أيضا ـ كذلك ؛ ولذا يختلف باختلاف الشّرائط والأزمنة والامكنة.
ولقد أجاد الإمام الرّاحل قدسسره فيما أفاده في المقام ، حيث قال : «والميزان هو نفوذ الكلمة والسّلطة والقدرة على المأمور ، فالسّلطان المحبوس لا يكون انشاءه «أمرا» بل طلبا والتماسا ، ورئيس المحبس يكون آمرا بالنّسبة إليه». (١)
هذا ، ولكن عن السّيّد البروجردي قدسسره عدم اعتبار العلوّ والاستعلاء في معنى الأمر بوجه التّقييد.
محصّل دعواه قدسسره أنّ الطّالب تارة يقصد بالطّلب ، انبعاث المطلوب منه بنفس طلبه بلا ضميمة ، بحيث يكون محرّك المطلوب منه وداعيه إلى الانبعاث هو صرف الطّلب ومحض البعث ، وهذا هو المسمّى بالأمر الّذي لا ينبغي أن يصدر من غير العالي والمستعلي ، وأنت ترى ، أنّ هذا غير أخذ العلوّ والاستعلاء في مفهوم الأمر ، واخرى يقصد به انبعاث المطلوب منه لا بنفس الطّلب وحده ، بل بمعونة بعض المقارنات الّتي تؤثّر بالانبعاث ، بحيث لولاها لم يتحقّق الانبعاث ، نظير طلب المسكين من الغنيّ بضميمة التّضرّع والدّعاء الرّاجع إلى شخص الغني أو والديه أو أولاده ، وهذا هو المسمّى بالالتماس والدّعاء.
__________________
(١) مناهج الوصول إلى علم الاصول : ج ١ ، ص ٢٣٩.