بيان ذلك : أنّ الأحكام الشّرعية المنشأة بالأوامر ، أعراض لمتعلّقاتها ، فتكون متأخّرة عنها تأخّر العرض عن معروضه ، ومن الواضح ـ أيضا ـ أنّ قصد الأمر متأخّر عن الأمر تأخّر القصد عن متعلّقه المقصود ، فيكون متأخّرا عن متعلّق الأمر بمرتبتين ، فلو أخذ في المتعلّق شطرا أو شرطا ، لزم ما اشير إليه من المحذور وهو تقدّم الشّيء على نفسه أو تأخّره عنه بمرتبتين.
والظّاهر ، أنّ هذا هو مراد المحقّق الخراساني قدسسره في قوله : «ثانيتها : أنّ التّقرب المعتبر في التّعبّدي إن كان بمعنى قصد الامتثال والإتيان بالواجب بداعي أمره ، كان ممّا يعتبر في الطّاعة عقلا ، لا ممّا أخذ في نفس العبادة شرعا ؛ وذلك ، لاستحالة أخذ ما لا يكاد يتأتّى إلّا من قبل الأمر بشيء في متعلّق ذاك الأمر مطلقا شرطا أو شطرا». (١)
وفيه : أنّ امثال هذه المقالات في هذه المقامات خلط بين الحقائق الفلسفيّة وبين الاعتباريّات العقلائيّة.
توضيح ذلك : أنّ الأحكام الشّرعيّة ليست لواحق وأعراضا لمتعلّقاتها ؛ وذلك ، لأنّه لو اريد من الحكم هو الإرادة فهي من الصّفات الحقيقيّة للنّفس ذات الإضافة في قبال الصّفات الحقيقيّة المحضة والإضافة المحضة ، فللإرادة إضافتان : إحداهما : إضافتها إلى النّفس ، وثانيتهما : إضافتها إلى الصّور العلميّة للمرادة المسمّاة بالمراد بالذّات ، فليس الحكم بهذا المعنى من عوارض المتعلّق ولوازمه.
وأمّا لو اريد من الحكم ، الوجوب والنّدب وغيرهما ، فهو من الأحكام العقلائيّة والامور الاعتباريّة ، كالملكيّة والزّوجيّة ونحوهما ، فليس له وراء الاعتبار
__________________
(١) كفاية الاصول : ج ١ ، ص ١٠٧ الى ١٠٩.