بالأمر الثّانيّ ، أو بالإخبار ، ومعه لا مانع من جريان البراءة العقليّة ، بل الشّرعيّة في المقام ، نظير مسألة الدّوران بين الأقلّ والأكثر ، بل على هذا يكون المقام من صغريات تلك المسألة.
أمّا الثّاني : فلما حقّق في مسألة دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر ، من أنّ العقل لو حكم فيها بالاحتياط ولزوم الإتيان بالأكثر لتحصيل الغرض قطعا ، فهو مانع عن جريان البراءة الشّرعيّة ؛ ضرورة ، أنّه لا فائدة حينئذ للبراءة عن الأكثر ، إلّا إذا ثبت بها ترتّب الغرض على الأقلّ وحصوله به ، وهذا ممنوع ؛ إذ وجوب الأقلّ وترتّب الغرض عليه ، إنّما هو من لوازم نفي الوجوب عن الأكثر عقلا ، ولا يمكن الالتزام به إلّا على القول بالأصل المثبت.
ونتيجة ذلك كلّه هو أنّه لا وجه للافتراق بين البراءتين ، فإمّا تجريان في المقام وفي مسألة الأقلّ والأكثر معا ، كما هو الحقّ وإمّا لا تجريان.
ثمّ أنّه يمكن أن يجاب عن المحقّق الخراساني قدسسره ـ سوى الوجه المتقدّم الراجع إلى المبنى ـ بوجه آخر ، راجع إلى البناء وهو أنّه لو سلّم عدم إمكان أخذ قصد القربة ، فمعه ـ أيضا ـ تجري البراءة في المقام وهي البراءة العقليّة ؛ وذلك ، لأنّه لا يجب علينا بحكم العقل ، إلّا تحصيل الغرض الواصل إلينا بحجّة معتبرة ، لا تحصيله مطلقا ، ولا ريب ، أنّ المقدار الواصل الّذي قامت عليه الحجّة هو الغرض المترتّب على الأقلّ فقط دون الزّائد.
وإن شئت ، فقل : إنّ الغرض لا يزيد على أصل التّكليف الّذي لا تجب موافقته ولا تحرم مخالفته ، إلّا أن يتنجّز وتقوم عليه الحجّة ، وعليه ، فلا يحكم العقل بوجوب تحصيل الغرض ما لم يصل ولم تقم عليه الحجّة.