النّفسيّة لا الغيريّة.
ثمّ إنّ النّفسيّة ، إمّا تثبت بإطلاق نفس الدّليل الواجب النّفسي وهو المسمّى بإطلاق المادّة ، وإمّا تثبت بإطلاق دليل الواجب المشكوك كونه نفسيّا أو غيريّا وهو المسمّى باطلاق الهيئة ، والأوّل ، نظير قوله تعالى : «أقيموا الصّلاة» حيث إنّ مقتضى إطلاق المادّة وهي الصّلاة وعدم تقييدها بالطّهارة ـ مثلا ـ هو كون الطّهارة ـ عند الشّكّ في أنّها نفسيّة أو غيريّة ـ واجبة نفسيّة ، والثّاني ، نظير الأمر بالطّهارة ، فإنّ مقتضى إطلاق الهيئة وهو وجوب الطّهارة وعدم تقييدها بوجود واجب آخر نفسي ، هو كونها ـ عند الشّكّ المذكور ـ نفسيّة ، ولا غرو في إثبات نفسية الطّهارة بالدّليلين من جهة كونها من لوازم الإطلاق فيهما ؛ إذ تقرّر في محلّه ، أنّ اللوازم في باب الاصول اللّفظية يكون حجّة.
هذا ، ولكن ذهب الإمام الرّاحل قدسسره إلى عدم إمكان إثبات النّفسيّة من الإطلاق ، سواء في المادّة أو الهيئة ، فقال في وجه ذلك ، ما هذا لفظه : «إنّ النّفسيّة متباينة مع الغيريّة ، كلّ منهما يمتاز عن الآخر بقيد وجوديّ أو عدميّ ، فالنّفسي ما يكون البعث إليه لذاته أو لا لغيره ، والغيرى بخلافه ، ويحتاج كلاهما في مقام التّشريع والبيان إلى قيد زائد ولو من باب زيادة الحدّ على المحدود ....
وعلى أيّ حال ، لم يكن النّفسي هو نفس الطّبيعة ، والغيري هي مع قيد ، لا عقلا ، وهو واضح ، ولا عرفا ؛ ضرورة ، أنّ تقسيم الوجوب إلى النّفسي والغيري صحيح بحسب نظر العرف». (١)
__________________
(١) مناهج الوصول : ج ١ ، ص ٢٨٣ و ٢٨٤.