وفيه : أنّ العمل على طبق الأمارة الحاكية عن الواقع ، ليس معناه جعل حكم ظاهريّ ، بل طريقيّ محض ، كوجوب الاحتياط في الشّبهات ؛ حيث إنّه طريق إلى إحراز الواقع ، وعليه ، فلا شأن للأمارة إلّا التّنجيز عند الإصابة والإعذار عند المخالفة بلا أيّ نظر لها إلى التّوسعة والحكومة ؛ إذ ليس حكم الشّارع في الأمارات بأزيد من حكم العقلاء فيها ، فكما أنّهم لا يرون فيها الإجزاء عند عدم الإصابة ، كذلك الشّارع ، وهذا بخلاف الأصل الّذي لا نظر له إلى الواقع والحكاية عنه ، فإنّ مفاده هو جعل الحكم الظّاهري والحكومة ، كما لا يخفى.
ومن هنا ظهر ، ضعف ما أفاده قدسسره في ردّ كلام المحقّق الخراساني قدسسره من قوله : «إنّ الأمارات كخبر الواحد والبيّنة وأمثالهما وإن كانت بلسان حكاية الواقع ...».
وبالجملة : فمقتضى التّحقيق في المقام هو الحكم بعدم الإجزاء في الأمارات مطلقا ، سواء كانت قائمة على الأحكام أو الموضوعات ، وسواء كانت عقلائيّة إمضائيّة ـ إمّا بعدم الرّدع أو بورود أمر إرشاديّ باتّباعها من الشّارع ـ أو تأسيسيّة شرعيّة ؛ إذ المفروض ، أنّ إيجاب العمل على طبقها عقلا أو شرعا إنّما هو بلحاظ كاشفيّتها عن الواقع ، وهذا ينافي الإجزاء ، كما أنّ مقتضى التّحقيق هو الحكم بالإجزاء في الاصول مطلقا ، بلا فرق بين أن تكون من قبيل الاصول المحرزة ، كالاستصحاب وقاعدتي التّجاوز والفراغ ، وبين أن تكون من قبيل الاصول غير المحرزة ، كقاعدتي الطّهارة والحلّ ، وبين أن تكون من الاصول العدميّة ، كحديث الرّفع ونحوه ، فإنّ مقتضى أدلّة الجميع هو ترتيب آثار المأمور به على المأتي به ، والبناء على تحقّق الامتثال بنفس إتيان العمل حال الشّكّ ، كما لا يخفى على المتأمّل فيها ، ولا ريب ، أنّ نتيجة ذلك هو الإجزاء.