أمّا الوجه الأوّل وهو كونها من المسائل الفقهيّة ، فلأنّ غاية ما يقال في وجهه : هو أنّ الفقه متكفّل للبحث عن أحكام أفعال المكلّفين ؛ ولا ريب ، أنّ المقدّمة ـ أيضا ـ تكون من الأفعال الصّادرة منهم ، فيدخل البحث عن وجوبها وعدمه في المسائل الفقهيّة.
وفيه : أوّلا : أنّ ظاهر عنوان وجوب المقدّمة وإن يقتضي ذلك ، إلّا أنّه ليس بمقصود هنا ، بل إنّما يقصد منه واقع العنوان وهو البحث عن ثبوت الملازمة بين المقدّمة وذيها وعدم ثبوتها ، فحينئذ يدخل البحث في الأحكام العقليّة غير المستقلّة ، بلا ارتباط له بالمسألة الفرعيّة الفقهيّة.
وثانيا : لو سلّم أنّ المقصود من البحث هنا هو ظاهر العنوان ، ولكن مجرّد ذلك ، لا يوجب عدّها من المسائل الفرعيّة الفقهيّة ، بل لا بدّ من ملاحظة معيار آخر ، وهو كون المسألة ممّا ينتج البحث فيه حكما فرعيّا أصليّا ، غير واقع في طريق إحراز حكم آخر ، ومن المعلوم : أنّ هذا المعيار مفقود في مثل المقام ، بل الموجود فيه هو معيار المسألة الاصوليّة ، وهو كون المسألة ممّا تقع نتيجتها في طريق استنباط الأحكام ؛ ضرورة ، أنّ البحث عن مقدّمة الواجب يقع نتيجتها في طريق الاستنباط بقياس واحد ، فيقال : هذه مقدّمة الواجب ، وكلّ مقدّمة الواجب واجبة ، فهذه واجبة.
ثمّ إنّه ربّما يتوهّم (١) أنّ الوجه في خروج بحث المقدّمة عن المسائل الفقهيّة ، هو أنّه لا بدّ في المسألة الفقهيّة من ملاحظة وحدة الموضوع والمحمول والملاك ، كأمثلة «الصّلاة واجبة» أو «الصّوم واجب» وهكذا ، ومن المعلوم ، أنّ المقام ليس كذلك ؛ إذ
__________________
(١) راجع ، كتاب بدائع الأفكار : ج ١ ، ص ٣١٣.