قولنا : «المقدّمة واجبة» وإن كان المحمول والملاك فيه واحد ، إلّا أنّ الموضوع وهو عنوان المقدّمة عامّ يشار به إلى معنونات خاصّة مختلفة ، ولعلّ السّرّ فيه هو أنّ المقدّمة ليست من الجهات التّقييديّة (١) ، فلا تكون تمام الموضوع ولا جزءه ، بل إنّما هي من الجهات التّعليليّة ، فتكون إشارة إلى موضوعات عديدة من طبائع مختلفة ، كالوضوء والغسل والتّيمّم وتحصيل الزّاد والرّاحلة والمشي ونحو ذلك.
وقد أجاب عنه المحقّق العراقي قدسسره بما لا يخلو عن القوّة ، حاصله : أنّ لازم ذلك خروج كثير من المباحث الفقهيّة عن علم الفقه ، كقاعدة «ما يضمن وما لا يضمن» وقاعدة «الطّهارة والحلّ في الشّبهات الموضوعيّة» وقاعدة «اعتبار عدم مخالفة الشّرط للكتاب والسّنة» وغيرها ؛ لكون الموضوع فيها من العناوين العامّة يشار بها إلى معنونات مختلفة من حيث الماهيّة ، مع أنّ الحكم فيها واحد ناش من ملاك واحد ، فالضّمان ـ مثلا ـ في جميع العقود الفاسدة حكم واحد نشأ من قاعدة اليد.
فتحصّل : أنّ الميز الصّحيح بين مسألتي الفقهيّة والاصوليّة هو ما أشرنا : من أنّ المسألة الاصولية هي الّتي يمكن أن يقع نتيجتها في طريق الاستنباط أو الّتي يبحث فيها عمّا ينتهي إليه المجتهد بعد الفحص واليأس عن الدّليل ، كالاصول العمليّة.
وأمّا المسألة الفقهيّة ، فهي الّتي ينتج البحث فيها حكما فرعيّا أصليّا ـ غير واقع في طريق إحراز حكم آخر ـ وحدانيا ناشئا من ملاك واحد ، سواء كان متعلّقه طبيعة شرعيّة ، كالصّلاة والصّوم ، أم عنوانا يشار به إلى مصاديقه الّتي هي متعلّقات الأحكام ، نظير القواعد المذكورة آنفا.
__________________
(١) خلافا للإمام الرّاحل قدسسره حيث اختار أنّها من الجهات التّقييديّة ؛ راجع ، تهذيب الاصول : ج ١ ، ص ١٥٣.