ولاريب ، أنّ هذا النّحو ، لا بدّ وأن يرجع إلى المادّة لبّا ، فلا يكون الطّلب والإيجاب مشروطا بمثل هذا القيد ، لدورانه مدار الغرض ثبوتا وسقوطا ، والمفروض عدم دخل القيد في أصل الغرض ، بل المشروط هو حصول الغرض في المادّة ، فلا مناص إذا من الالتزام بأنّ القيد ، هو قيد المادّة لا الهيئة.
وبعبارة اخرى : أنّ القيد هو قيد حصول الغرض ، لا قيد تعلّق الغرض وقيامه بالشّيء ، فالأمر والطّلب حينئذ حاصل مطلقا ، سواء كان مع القيد ، أم لم يكن ، ونتيجته ، عدم كون مفاد الهيئة مشروطا به ، كعدم اشتراط أصل الغرض به.
هذا كلّه في القول الأوّل (رجوع القيود إلى المادّة).
وامّا القول الثّاني (رجوع القيود إلى مفاد الهيئة) : وهو المشهور المختار ، فقد اتّضح وجهه ممّا ذكرنا في جواب القول الأوّل ، ولكن إن شئت تفصيل الكلام وتحرير المقام ، فنقول : انّ الطّلب الواقع في كلام الشّيخ قدسسره : «فلأنّ العاقل إذا توجّه إلى شيء فإمّا أن يتعلّق طلبه به ...» (١) هل المراد به هي الكيفيّة النّفسانيّة والشّوق النّفساني المؤكّد الّذي قد يعبّر عنه بالإرادة في بعض الكلمات ، أو المراد هي الإرادة ، بمعنى : الاختيار ، لا بمعنى الشّوق المؤكّد ، أو المراد هو جعل الحكم واعتبار شيء على ذمّة المكلّف ، أو المراد هو متعلّق الاعتبار ، كالوجوب ، لا نفس الاعتبار ، وجوه واحتمالات :
فإن كان المراد هو الكيفيّة النّفسانيّة ، فالأمر كما ذكره الشّيخ قدسسره من إطلاق الطّلب دائما وإرساله وعدم الاختلاف فيه ؛ إذ هو حينئذ كيف نفسانيّ وأمر واقعيّ عينيّ يكون تحقّقه وحصوله تابعا لحصول علله ومباديه التّصوّريّة والتّصديقيّة في
__________________
(١) راجع ، مطارح الأنظار : ص ٤٥ إلى ٤٩.