توضيح ذلك : أنّ الوضوء في المثال لو كان واجبا غيريّا ، فلا إشكال في أنّه مقيّد بالوقت لوجود التّبعيّة بين المقدّمة وذيها في الاشتراط والإطلاق ، وأمّا لو كان واجبا نفسيّا ، فلا يخلو من احتمالين :
أحدهما : أنّ يكون وجوبه مقيّد بما قبل الوقت. ثانيهما : أن يكون وجوبه مطلقا بالنّسبة إلى الوقت ، فعلى الاحتمال الأوّل ، في فرض الشّكّ بين النّفسيّة والغيريّة في الوضوء ، لا تجري البراءة عن وجوبه الغيري ؛ وذلك لمعارضة جريان البراءة المذكورة مع جريانها عن وجوبه النّفسي قبل الوقت ، لوجود العلم الإجمالى بوجوبه الجامع بين النّفسي والغيرى ، وعليه ، فلا مناص حينئذ من الاحتياط بإتيان الوضوء قبل الوقت.
وأمّا على الاحتمال الثّاني ، فلا تجري البراءة عن وجوبه قبل الوقت ؛ إذ ليس هذا الوجوب ضيقا على المكلّف كي يرفع بالبراءة ، بل يكون في وسعة ، كما هو واضح.
وكذا لا تجري البراءة عن وجوبه بعد الوقت ، للعلم الإجمالى بوجوبه المردّد بين النّفسي والغيري ، وهو يقتضى الاحتياط.
نعم ، بناء على الفرض الثّالث في كلام المحقّق النّائيني قدسسره من أنّ المكلّف لو توضّأ قبل الوقت ، لكن شكّ بعده في أنّه هل يجب عليه الوضوء ثانيا أم لا؟ ـ إذ يحتمل كونه واجبا غيريّا مقيّدا بإيقاعه بعد الوقت ويحتمل ـ أيضا ـ أنّه واجب نفسيّ مقيّد بإيقاعه قبل الوقت أو مطلق ـ تجري البراءة عن إعادة الوضوء ؛ ضرورة ، أنّ الشّكّ المذكور راجع إلى الشّكّ في أصل التّكليف بإعادة الوضوء ، وهو مجرى البراءة. (١)
__________________
(١) راجع ، محاضرات في اصول الفقه : ج ٢ ، ص ٣٩٣ و ٣٩٤.