ولقد أجاد المحقّق البروجردي قدسسره فيما أفاده في المقام ، حيث قال : «أنّ المولى بمولويّته مالك للعبد بجميع شئونه وأفعاله ، فله أمر العبد بفعل من غير أن يعطيه أجرا ... هذا مضافا إلى أنّه كلّما أمر به وبعث نحوه ، فهو ممّا لا يعود نفعه إليه ، بل لوحظ فيه مصلحة العبد وإنجاءه من المهالك الرّوحيّة وسوقه إلى المراتب الكماليّة ، فمثله كمثل طبيب ، أمر المريض بشرب دواء ينفعه ، فهل للمريض بعد امتثاله أوامر الطّبيب ونجاته من المرض أن يطلب من الطّبيب المشفق ، أجر الامتثال؟ لا والله ، بل لو طالبه ذلك لعدّه العقلاء من السّفهاء». (١)
هذا كلّه لو اريد من الاستحقاق في القول الثّاني هو ثبوت حقّ للمكلّف على الله بطاعته إيّاه ، وأمّا لو اريد به اللّياقة والاستعداد للثّواب ـ بمعنى : أنّ العبد إذا أطاع مولاه فله اللّياقة والأهليّة للنّيل إلى ما وعده الرّب للعباد المطيعين من الدّخول في دار النّعيم وجوار ربّه الكريم ـ فهو نفس القول بالتّفضّل ، وحينئذ يكون النّزاع لفظيّا ، كما لا يخفى.
ومن هنا ظهر ، أنّ ما ورد في الآيات (٢) والرّوايات (٣) من التّعبير بالأجر والجزاء بالنّسبة إلى عمل المكلّفين ، ليس المراد به هو العوض بإزاء عملهم ، بل معناه هو إعطاء الثّواب لهم تفضّلا ، وتسمية ذلك بالأجر ، إنّما هو مقتضى سيادة المولى وكرامته ، وإلّا فما للعبد واستحقاق الأجر.
__________________
(١) نهاية الاصول : ج ١ ، ص ١٧٢.
(٢) سورة آل عمران (٣) : الآية ١٧١ ؛ وسورة الكهف (١٨) : الآية ٣٠.
(٣) راجع ، وسائل الشّيعة : كتاب الطّهارة ، ج ١ ، الباب ١٧ من أبواب مقدّمات العبادة ، الحديث ٨ ، ص ٥٨ ؛ ووسائل الشّيعة : كتاب الطّهارة ، ج ١ ، الباب ١٨ من أبواب مقدّمات العبادة ، الحديث ١ ، ص ٥٩.