وفيه : أوّلا : أنّ التّضاد في الأحكام الخمسة الّتي هي من الامور الاعتباريّة الجعليّة ، ممنوع ؛ ضرورة ، أنّه يختصّ بالتّكوينيّات ، كما يشهد عليه ، ما عرّف له في علم الفلسفة ، من أنّه أمران وجوديّان الّذان لا يجتمعان.
وثانيا : لو سلّم ذلك ، ولكن يمنع عن تحقّق التّضاد في المقام ، ضرورة ، أنّ الأمر النّفسي النّدبي في الوضوء ـ مثلا ـ تعلّق بنفس الغسلتين والمسحتين ، ولكنّ الأمر الغيريّ الوجوبي تعلّق بالوضوء بعد كونه متعلّقا للأمر النّفسي ، لا بذات الوضوء.
وإن شئت ، فقل : إنّ الأمر الغيري إنّما تعلّق بما هي مقدّمة بالحمل الشّائع ، والمقدّمة هنا هو الوضوء العباديّ ؛ ولذا لا بدّ في امتثاله من إتيان الوضوء بأمره النّدبي حتّى يصير عبادة ، فيصلح للمقدميّة ، ولو لا ذلك ، لم يأت بها بما هي المقدّمة ، كما أشار إليه المحقّق الخراساني قدسسره بقوله : «حيث إنّه لا يدعو إلّا ما هو المقدّمة». (١)
وبالجملة : يكون المقام من قبيل ورود الأمر والنّهي على العنوانين مع فرض مصداق واحد لهما في الخارج ، نظير اجتماع «صلّ» و «لا تغصب» في محلّ واحد ، كالصّلاة في الدّار المغصوبة ، فكما يقال : هناك إنّ كلّ واحد من الخطا بين يتعلّق بعنوان لا يتعلّق به خطاب آخر بلا سراية إلى الخارج ؛ لكونه ظرفا لسقوط التّكليف لا ثبوته ، كذلك يقال هنا : إنّ الأمر النّفسي النّدبي يتعلّق بعنوان لا يتعلّق به الأمر الغيري الوجوبي ، فأين التّضاد.
ثمّ إنّ بعض الأعاظم قدسسره قد أجاب عن هذا الإيراد ، بما حاصله : أنّ حال هذا
__________________
(١) كفاية الاصول : ج ١ ، ص ١٧٨.