نعم ، وجوب المقدّمة أو عدم وجوبها وإن كان حكما شرعيّا ، إلّا أنّ ترتّبه عليها ليس إلّا بحكم العقل ؛ إذ الملازمة لم تجعل موضوعة له في دليل من الأدلّة كي يقال : بأنّ استصحاب الملازمة هو من قبيل استصحاب الموضوع للأثر الشّرعي.
وأمّا البراءة مطلقا ، سواء كان عقليّا أو نقليّا ، فعدم جريانها في الملازمة ممّا هو واضح غاية الوضوح.
وأمّا الجهة الثّانية (الجهة الفقهيّة) : فالظّاهر إمكان جريان استصحاب عدم وجوب المقدّمة.
بتقريب : أنّها لم تكن واجبة قبل إيجاب ذيها ، فبعد إيجابه إذا شكّ في أنّها هل هي باقية على عدم الوجوب ، أو هي واجبة لوجوب ذيها؟ يستصحب عدم الوجوب المتيقّن سابقا.
هذا ، ولكن قد اورد على هذا الاستصحاب بوجوه (١) غير تامّة :
منها : أنّ الاستصحاب أصل تعبّديّ يجري لإثبات شيء أو نفيه تشريعا ، ومن المعلوم ، أنّ التّعبد إنّما يتأتّى فيما إذا كان المتعبّد به ممكنا ثبوتا ، والمقام ليس كذلك ؛ ضرورة ، أنّ الشّكّ في وجوب المقدّمة وعدمه ناش من الشّكّ في الملازمة وعدمها ؛ إذ لو كانت الملازمة ثابتة ، لكان وجوب المقدّمة ـ أيضا ـ ثابتا ، وإلّا ، فلا ، وعليه ، فبعد إيجاب ذي المقدّمة لو قلنا : بعدم وجوبها بمقتضى الاستصحاب لزم التّفكيك بينهما ، وهذا مستحيل عقلا ، كاستحالة تفكيك المعلول عن العلّة ، ونتيجته ، عدم إمكان التّشريع والتّعبّد بالنّسبة إلى عدم وجوب المقدّمة من طريق الاستصحاب.
وإن شئت ، فقل : أنّ المقام يكون من قبيل الشّبهة المصداقيّة لدليل
__________________
(١) راجع ، كفاية الاصول : ج ١ ، ص ١٩٩ و ٢٠٠.