محتاجا إيصاله إلى إرسال الرّسل وإنزال الكتب ، كجعل الأحكام الشّرعيّة ، ولا جعلا تكوينيّا جبّل الإنسان على إدراكه والعلم به ، كحدوث العطش عند احتياجه إلى الماء ، بل يكون جعلا متوسّطا بين الجعلين ، ألهم الله كلّ عنصر من عناصر البشر بلفظ مخصوص عند إرادة معنى مخصوص بقدر استعداده.
الرّابع : أنّ الله تعالى جعل لكلّ لفظ مخصوص معنى مخصوصا ، باعتبار مناسبة بينهما ، مجهولة عندنا.
الخامس : أنّ وجود المناسبة والجهة المقتضية لتأدية معنى مخصوص بلفظ مخصوص ، ممّا لا بدّ منه ، وإلّا لزم التّرجيح بلا مرجّح.
السّادس : أنّه لا يلزم أن تكون تلك الجهة والمناسبة ، راجعة إلى ذات اللّفظ حتّى تكون الدّلالة ذاتيّة ، بل لا بدّ من أن يكون هناك جهة مرجّحة حتّى تخرج تأدية معنى مخصوص بلفظ مخصوص عن التّرجيح بلا مرجّح. (١)
هذا ، ولكن تلك الامور غير ناهضة لإثبات مدّعاه قدسسره.
أمّا الأوّل : فلأنّه إنّما يتمّ إذا كان الوضع أمرا دفعيّا واقعا في زمان واحد ، مع أنّه ليس كذلك ؛ بل هو أمر تدريجيّ يدور مدار الأغراض والحاجات سعة وضيقا ، كثرة وقلّة ، كما أنّ الحاجات والأغراض تدور مدار مرور الأيّام والأعصار كذلك.
والوجه فيه : أنّ الوضع زائدا على قدر الحاجة ، لغو محض ، بلا شبهة ، فلا حاجة إلى وضع جميع الألفاظ لجميع المعاني ، حتّى يقال : بخروجه عن حيطة الطّاقة البشريّة.
__________________
(١) راجع ، فوائد الاصول : ج ١ ، ص ٣٠.