ثانيهما : في بيان كيفيّة وضع الحروف.
أمّا الأمر الأوّل : فالأقوال فيه كثيرة ، والعمدة منها ، ما عن محمّد بن الحسن بن الرّضي نجم الأئمّة قدسسره (من أعلام القرن السّابع) من : أنّ الحروف لم توضع للمعاني ، بل إنّما هي علامات وأمارات على ما في متعلّقاتها من الخصوصيّات ، وأنّ وزانها وزان الحركات الإعرابيّة من الرّفع والنّصب والجرّ ، فكما أنّ هذه الحركات لم توضع لمعنى ، بل تكون أمارات على الفاعليّة أو المفعوليّة أو غيرهما من الخصوصيّات ، كذلك الحروف ، فكلمة : «في» مثلا ، أمارة على خصوصيّة متعلّقها غير الخصوصيّة الملحوظة في متعلّق كلمة : «على» أو : «من» أو : «إلى» مثلا. (١)
وفيه : أوّلا : أنّ تلك الخصوصيّات إنّما هي تفهم من الحروف لا من الأسماء والأفعال ، فتكون من مدلولاتها دونهما ، ألا ترى ، أنّ قولنا : «زيد في الدّار» يفيد معنى لا يفيده بلا كلمة : «في» وهكذا قولنا : «زيد على السّطح» ونحوهما.
ويشهد له : أنّ ما يتبادر من الحروف وهو المعاني الخاصّة غير ما يتبادر من الأسماء والأفعال.
وعليه : فالحروف وضعت بإزاء تلك الخصوصيّات وعيّنت لها ، وليست بأمارات عليها صرفة وعلامات محضة.
وثانيا : أنّ أماريّة الحروف على الخصوصيّات ، ليست بجزافيّة ، بل لا بدّ أن تكون ، إمّا عقليّة ، أو طبعيّة ، أو وضعيّة ، والاوليان منتفيتان قطعا ، فلا مناص إذا من الالتزام بكونها وضعيّة ، وهو المطلوب.
__________________
(١) شرح الكافية : ج ١ ، ص ١٠ ؛ حيث قال : «... الحرف وحده لا معنى له أصلا ؛ إذ هو كالعلم المنصوب بجنب شيء ليدلّ على أنّ في ذلك الشّيء فائدة ما».