والنّتيجة : أنّ معاني الحروف ليست من الوجودات الرّابطيّة ، بل هي من الوجودات الرّابطة ؛ وذلك ، نظير قولنا : «زيد في الدّار» فإنّ كلمة : «في» تدلّ على وجود زيد في «الدّار» وهذا المعنى وجود رابط محض ، وليس بوجود رابطيّ حتّى يندرج تحت المقولة ويكون من الأعراض النّسبيّة.
وثانيا : أنّ الأعراض التّسعة ، سبعة منها تختصّ بالأعراض النّسبيّة ، وهي معلومة ، متميّز بعضها عن بعض ، نظير «الأين» و «المتى» و «المضاف» و «الوضع» و «الفعل» و «الانفعال» و «الملك» ، فالمعنى الحرفى من أيّ نوع منها؟
وثالثا : لو سلّم ذلك في الحروف الإخطاريّة كلفظة : «من» و «الى» و «في» ونحوها ، لكان الإشكال باق في الحروف الإيجاديّة ، كحروف النّداء والتّشبيه والعطف ونظائرها ، فأيّ عرض نسبيّ أو غير نسبيّ تدلّ عليه هذه الحروف وتحكي عنه ، مع أنّها ـ حسب الفرض ـ إنّما تكون لإيجاد معانيها لا للدّلالة والحكاية.
وإن شئت فقل : إنّ الاستعمال في العرض النّسبيّ والحكاية عنه ، لا معنى له في مثل حروف النّداء والقسم ونحوهما ، فهل يمكن أن يقال : بحكايتهما عن نداء وقسم خارجيّين أو ذهنيّين ، مع كونهما لإيجاد فرد من النّداء والقسم؟ حاشا وكلّا ، فإذا لا تحكي الحروف الإيجاديّة عن عرض نسبيّ وعن شيء خارجيّ أو ذهنيّ ؛ ومن هنا التجأ هذا المحقّق قدسسره إلى الجواب عن هذا الإشكال بقوله : «وأمّا تشخيص كونه من أيّ أنواع الأعراض ، فهو ليس بمهمّ في المقام». (١)
__________________
(١) كتاب بدائع الأفكار : ج ١ ، ص ٥٠.