وقد تعجّب منه الإمام الرّاحل قدسسره وقال : «والعجب أنّه قدسسره قال : إنّ الحروف كلّها حاكيات عن الأعراض النّسبيّة ولا يهمّنا تشخيص كونها من أيّ الأعراض». (١)
ومن العجب ـ أيضا ـ أنّ هذا المحقّق قدسسره ادّعى : وضع مثل «من» ، «في» ، «على» ، «إلى» و «عن» لأصناف مقولة «الأين» من الأين الابتدائي والأين الظّرفيّ والأين الاستعلائي والأين الانتهائي والأين التّجاوزي (٢) ، فهل ترى لهذه الدّعوى وجها ومعنى محصّلا؟!
هذا كلّه في الأمر الأوّل (بيان حقيقة المعنى الحرفي).
وأمّا الأمر الثّاني : (بيان كيفيّة وضع الحروف) فالكلام فيه ـ أيضا ـ يقع تارة في الحروف الإخطاريّة ؛ واخرى في الحروف الإيجاديّة.
أمّا الحروف الإخطاريّة ، فقد انقدح ممّا ذكرنا في حقيقة المعنى الحرفي ، كيفيّة الوضع فيها ، وأنّ الملحوظ حال وضعها وإن كان عامّا ، إلّا أنّ الموضوع له فيها يكون خاصّا.
ولكن ذهب المحقّق الخراساني قدسسره إلى أنّ الموضوع له فيها ـ أيضا ـ كالوضع عامّ وكذا المستعمل فيه ، وقال في وجه ذلك ، ما هذا لفظه : «وأنّ حال المستعمل فيه والموضوع له فيها حالهما في الأسماء ؛ وذلك ، لأنّ الخصوصيّة المتوهّمة إن كانت هي الموجبة لكون المعنى المتخصّص بها جزئيّا خارجيّا ، فمن الواضح ، أنّ كثيرا ما لا يكون المستعمل فيه ، فيها كذلك ، بل كلّيّا ، ولذا التجأ بعض الفحول إلى جعله
__________________
(١) مناهج الوصول : ج ١ ، ص ٨٠.
(٢) راجع ، كتاب بدائع الأفكار : ج ١ ، ص ٥٠.