أما الرأي الثالث : فقد ذكره البغدادي حين قال : سموا بذلك ؛ لأنهم اعتزلوا قول الأمة (١) ، فالخوارج كانوا يقولون : إن مرتكب الكبيرة كافر ، والمرجئة يقولون : إنه مؤمن ، والحسن البصري ـ وهو ممثل علماء التابعين آنذاك ـ يرى أنه فاسق وفسقه لا ينفي عنه اسم الإيمان والإسلام (٢).
والذي نميل إليه ونأخذ به هو الرأي الثالث ؛ «لأن التسمية فيه تكون متعلقة بالجوهر وهو الآراء ، لا بالعرض وهو انتقال واصل ومن معه من حلقة من المسجد إلى حلقة أخرى ؛ إذ إن هذا الانتقال الحسي ليس بالأمر الهام ذي الخطر الذي من شأنه أن تسمى بسببه فرقة هامة كالمعتزلة» (٣).
ومهما يكن من أمر فقد نشأت المعتزلة على يد واصل بن عطاء وفي ذلك يقول طاش كبرى زاده : «وأول ما ظهر مذهب الاعتزال وشاع إنما ظهر من واصل بن عطاء ، أخذ الاعتزال عن الإمام أبي هاشم عبد الله بن محمد ابن الحنفية الذي قيل : إنه كان أول من أحدث مذهب الاعتزال واخترعه هو وأخوه الإمام الحسن بن محمد ابن الحنفية ... ولكن ظهر واشتهر الاعتزال من واصل بن عطاء أبي حذيفة المعروف بالغزال» (٤).
وقدّر لهذه الفرقة أن تملأ العالم وتشغل الناس ، يؤمن بعقائدها الخلفاء وأهل السياسة ، فقد اعتقد آراءهم المأمون وحمل الناس عليها حملا ، وامتحنهم بها امتحانا ، وتبعه المعتصم والواثق ، فلما جاء المتوكل ناهض المعتزلة وأمر الناس بترك النظر والمباحثة والجدال ، وأمر الشيوخ المحدثين بالتحديث وإظهار السنة والجماعة ، بيد أن المتوكل لم يستطع أن يقضي على آراء المعتزلة ولم يتمكن من اقتلاع أفكارهم من المجتمع الإسلامي ، بل ظلت هذه الآراء والأفكار باقية بعده ، وبالرغم من العبث بتراثهم وإتلاف كتبهم ، فإن آراءهم لا تزال باقية حتى اليوم (٥).
ثانيا : مراكز الاعتزال وفرق المعتزلة :
أشرنا فيما سبق إلى نشأة الاعتزال في البصرة على يد واصل بن عطاء ، فعدّت البصرة لذلك المركز الأول للمعتزلة والمدرسة الرائدة لهم.
__________________
(١) الفرق بين الفرق (ص ١٣٥).
(٢) السابق ص (١٣٥).
(٣) نصيب المعتزلة في تطور علم الكلام (ص ١٩).
(٤) السابق (١٩).
(٥) السابق (ص ٢٠).