لو يشربون دمي لم يرو شاربهم |
|
ولا دماؤهم للغيظ ترويني |
ثم حول وجهه إلى القبلة فأطال السجود ، ثم جلس وقد أسفر وجهه ، وتمثل بقول العباس بن عبد المطلب من أبيات له :
أبى قومنا أن ينصفونا فأنصفت |
|
قواطع في أيماننا تقطر الدما |
تورثن من أشياخ صدق تقربوا |
|
بهن إلى يوم الوغى فتقدما |
إذا خالطت هام الرجال تركتها |
|
كبيض نعام في الوغى متحطما (١) |
والحق أن الشعراء قد أذكوا لدى بني العباس نيران العداوة ضد بني أمية ، وزادوها اشتعالا ، فروي أن السفاح كان جالسا في مجلس الخلافة ، وعنده سليمان بن هشام بن عبد الملك ، وقد أكرمه السفاح ، فدخل عليه سديف الشاعر فأنشده :
لا يغرنك ما ترى من رجال |
|
إن تحت الضلوع داء دويّا |
فضع السيف وارفع السوط حتى |
|
لا ترى فوق ظهرها أمويّا |
فالتفت سليمان وقال : قتلتني يا شيخ ، ثم دخل السفاح وأخذ سليمان فقتل (٢).
وقد أسرف العباسيون في التنكيل بالأمويين إسرافا لا يراعي للموت حقّا ولا يعرف له جلاله وحرمته ، فنبشوا قبر معاوية بن أبي سفيان ، فلم يجدوا فيه إلا خيطا مثل الهباء ، ونبشوا قبر يزيد بن معاوية ، فوجدوا فيه حطاما كأنه الرماد (٣).
ولم تكن سياسة الانتقام التي اصطنعها أبو العباس السفاح ضرورة طارئة ألجأه إليها إشباع روحه النزاعة إلى الانتقام ، أو تثبيت أركان دولته الناشئة ، بل كانت سياسة مضطردة توشك أن تسم العصر العباسي الأول كله بميسمها ؛ يقول ابن دأب ـ وقد كان من خواص الخليفة الهادي : «دعاني الخليفة الهادي في وقت من الليل لم تجر العادة أنه يدعوني في مثله ، فدخلت إليه ، فإذا هو جالس في بيت صغير شتوي وقدامه جزء ينظر فيه ، فقال لي : يا عيسى ، قلت : لبيك يا أمير المؤمنين ، قال : إني أرقت في هذه الليلة وتداعت إليّ الخواطر واشتملت عليّ الهموم وهاج لي ما جرت إليه بني أمية من بني حرب وبني مروان في سفك دمائنا ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، هذا عبد الله بن علي قد قتل منهم على نهر أبي فطرس فلانا وفلانا ، حتى أتيت على تسمية من قتل منهم ، وهذا عبد الصمد بن علي قد
__________________
(١) ابن الأثير ، الكامل (٥ / ٤٢٧ ، ٤٢٨) ، المسعودي ، مروج الذهب (٣ / ٢٧١ ، ٢٧٢).
(٢) ابن الأثير ، الكامل (٥ / ٤٢٩).
(٣) ابن الأثير الكامل (٥ / ٤٣٠) ، سمط النجوم العوالي (٣ / ٣٥٠ ، ٣٥١).