وكان ابن عباس يبين في تفسيره الكلمات المعربة عن لغات أخرى غير العربية ، مما يؤكد رئاسته للمنهج اللغوي ، حتى قيل عنه : «إنه هو الذي أبدع الطريقة اللغوية لتفسير القرآن الكريم» (١).
وإذا كان ابن عباس قد اهتم بالتفسير اللغوي ، فإنه ـ أيضا ـ ركز على عنصر الأخبار في تفسيره ، وبخاصة الأخبار التي لم ترد في حديث النبي صلىاللهعليهوسلم فكان يرجع إلى التاريخ العام ، وأخبار الأمم ، وبخاصة أهل الكتاب ، فكان ـ رضي الله عنه ـ يرجع إليهم ويأخذ عنهم (٢) ، بحكم اتفاق القرآن مع التوراة والإنجيل في كثير من المواضع التي أجملت في
__________________
(١) جولد تسيهر : المذاهب الإسلامية في تفسير القرآن الكريم ، تعريب : علي حسن عبد القادر (طبع دار العلوم ١٩٤٤ م) ص ٦٩ ، وينظر : د. محمد إبراهيم شريف : بحوث في تفسير القرآن الكريم ص ٦٠.
(٢) اتهم ابن عباس باعتماده كثيرا على أهل الكتاب في تفسير القرآن ، فيقول جولد تسيهر المستشرق اليهودي المجري : «وكثيرا ما نجد من مصادر العلم المفضلة لدى ابن عباس اليهوديين اللذين اعتنقا الإسلام : كعب الأحبار وعبد الله بن سلام» ويقول أيضا : «وكثيرا ما يذكر أنه فيما يتعلق بتفسير القرآن ، كان ـ أي ابن عباس ـ يرجع إلى رجل يسمى أبا الجلد غيلان بن فروة الأزدي الذي أثنى الناس عليه بأنه كان يقرأ الكتب». وتابع أحمد أمين في كتابه فجر الإسلام جولد تسيهر فيما ذهب إليه من أخذ ابن عباس عن أهل الكتاب كثيرا. ولعل الذي دعاهما إلى اتهام ابن عباس هذا الاتهام إثارة الشبه من قبل جولد تسيهر حول تفسير ابن عباس ، وكثرة ما وضع على ابن عباس مما لم يفطن الأستاذ أحمد أمين إلى أنه ليس لابن عباس.
وأقول : إذا كان ابن عباس قد لجأ إلى أهل الكتاب يستمد منهم التفسير القصصي للقرآن ، فإن موقفه منهم كان موقف الناقد البصير المعتز بدينه الذي ينخل ما ينقل إليه من أقوالهم ، ثم يعتمد الصحيح منها ، وقد ترخص الصحابة في السماع منهم حيث رأوا عمر يسمع من كعب الأحبار بعد إسلامه في خلافة عمر. ثم إنهم ـ أي الصحابة ـ جمعوا بين قوله عليه الصلاة والسلام : «حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج» وبين قوله : «لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم» ـ بأن الأول محمول على ما وقع فيهم من الحوادث والأخبار ؛ لما فيه من العظة والاعتبار ، بدليل قوله بعد ذلك : «فإن فيهم أعاجيب» ، وأن الثاني محمول على ما إذا كان المخبر به من قبلهم محتملا ، ولم يقم دليل على صدقه أو كذبه. ثم كيف يستبيح ابن عباس لنفسه أن يحدث عن بني إسرائيل بمثل هذا التوسع الذي يجعله مخالفا لأمر رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وقد كان ابن عباس أشد نكيرا على من يفعلون ذلك ؛ فقد كان يقول : «يا معشر المسلمين ، تسألون أهل الكتاب وكتابكم الذي أنزل على نبيه صلىاللهعليهوسلم أحدث الأخبار بالله ، تقرءونه لم يشب ، وقد حدثكم الله أن أهل الكتاب بدلوا ما كتب الله وغيروا بأيديهم الكتاب ، فقالوا : (هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً) [البقرة : ٧٩] أفلا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مساءلتهم؟! ولا والله ما رأينا رجلا منهم قط يسألكم عن الذي أنزل عليكم».
ينظر : جولد تسيهر : مذاهب التفسير الإسلامي ص ٦٥ ـ ٦٧ ، وأحمد أمين : فجر الإسلام (لجنة التأليف والترجمة والنشر ، ١٩٣٥ م) ص ٢٤٨ ، ود. الذهبي : التفسير والمفسرون (١ / ٧٢ ـ ٧٤) ، ود. محمد إبراهيم شريف : بحوث في تفسير القرآن الكريم ص ٧١ ـ ٧٣.