ومؤدب ؛ لذلك عدوه من أعلم الصحابة بكتاب الله ، ومعرفة محكمه ومتشابهه وحلاله وحرامه ، حتى قيل عنه : إنه في التفسير أكثر رواية من علي كرم الله وجهه.
وقد أخرج ابن جرير وغيره عنه أنه قال : «والله الذي لا إله غيره ، ما نزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيمن نزلت وأين نزلت؟ ولو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب الله مني تناله المطايا لأتيته» (١).
وهذا يدل على إحاطة ابن مسعود بمعاني كتاب الله ، وأسباب نزول الآيات ، وحرصه على تعرف ما عند غيره من العلم بكتاب الله تعالى.
وقد قام تفسير ابن مسعود على الرأي والاجتهاد والاستنباط ؛ لمواءمة البيئة العراقية المتأثرة بثقافة الفرس ، فوضع بذلك الأساس لهذه الطريقة في الاستدلال والتي توارثها أهل العراق في التفسير والفقه.
ويتميز ابن مسعود عن غيره في مجال تفسير القرآن بأنه اعتمد بعض القراءات التي تختلف عن القراءات المتواترة في المصاحف العثمانية ، وقد تكون هذه القراءات من الروايات التفسيرية التي وردت على لسانه ، وظنها تلامذته من القراءات ، كما يمكن أن يقال ـ أيضا ـ : إنها بهذا الاعتبار كانت بداية لنشوء علم تفسير القرآن (٢).
٥ ـ أبي بن كعب
أبي بن كعب بن قيس بن عبيدة بن يزيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار الأنصاري الخزرجي أبو المنذر المدني ، سيد القراء ، كتب الوحي وشهد بدرا وما بعدها ، له مائة وأربعة وستون حديثا ، اتفق البخاري ومسلم على ثلاثة منها ، وانفرد البخاري بأربعة ومسلم بسبعة ، وروى عنه : ابن عباس وأنس وسهل بن سعد وسويد بن علقمة ومسروق وخلق كثير ، وكان ربعة نحيفا أبيض الرأس واللحية ، وقد أمر الله عزوجل نبيه عليه الصلاة والسلام أن يقرأ عليه ـ رضي الله عنه ـ وكان ممن جمع القرآن وله مناقب جمة رحمهالله تعالى ، وتوفي سنة عشرين أو اثنتين وعشرين أو ثلاثين أو ثلاث وثلاثين ، وقال بعضهم : صلى عليه عثمان ، رضي الله عنه.
__________________
(١) أخرجه البخاري (١٠ / ٥٦) كتاب فضائل القرآن باب القراء من أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم (٥٠٠٢). وينظر : محمد عبد العظيم الزرقاني : مناهل العرفان في علوم القرآن ص ١٨.
(٢) ينظر : د. عبد الصبور شاهين : تاريخ القرآن (طبع دار الكاتب العربي ، القاهرة ، ١٩٦٧ م) ص ١٤٨ ، ود. محمد إبراهيم شريف : بحوث في تفسير القرآن الكريم ص ٦٥.