عهدت رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه لا يفعلون ذلك» (١).
إن عكرمة حاز منزلة عظيمة في العلم ، فهو من أعلم الناس بالسير والمغازي ؛ قال سفيان الثوري عن عمرو قال : كنت إذا سمعت عكرمة يحدث عن المغازي كأنه مشرف عليهم ينظر كيف يصفون ويقتتلون.
وهو من علماء زمانه بالفقه والقرآن ، وشهد له الأئمة بذلك ، يقول الشعبي : «ما بقي أحد أعلم بكتاب الله من عكرمة».
ومع كل هذا ، فإن هناك بعض العلماء وجهوا مطاعن إلى عكرمة ، فكانوا يصفونه بالجرأة على العلم ويقولون : إنه كان يدعي معرفة كل شيء في القرآن ، ويزيدون على ذلك فيتهمونه بالكذب على مولاه ابن عباس ، وبعد هذا كله ، يتهمونه بأنه كان يرى رأي الخوارج ، ويزعم أن مولاه كان كذلك ، وقد نقل ابن حجر في تهذيب التهذيب كل هذه التهم ونسبها لقائليها ، فمن ذلك : ما رواه شعبة عن عمرو بن مرة قال : سأل رجل ابن المسيب عن آية من القرآن ، فقال : لا تسألني عن القرآن ، وسل من يزعم أنه لا يخفى عليه منه شيء يعني عكرمة وحكى إبراهيم بن ميسرة أن طاوسا قال : لو أن مولى ابن عباس اتقى الله وكف من حديثه لشدت إليه المطايا.
وروى أبو خلف الجزار عن يحيى البكاء قال : سمعت ابن عمر يقول لنافع : اتق الله ، ويحك يا نافع ، ولا تكذب علي كما كذب عكرمة على ابن عباس.
وروي أن سعيد بن المسيب قال مثل ذلك لمولاه.
وروى ابن سعد : أن على بن عبد الله كان يوثقه على باب الكنيف ويقول : إن هذا يكذب على أبي.
ثم بعد ذلك كله يصورون للناس مبلغ كراهة معاصريه له فيقولون :
إنه مات هو وكثير عزة في يوم واحد ، فلم يشهد جنازته أحد ، أما كثير فقد شيعه خلق كثير (٢).
وهذه التهم فيها كثير من المبالغة ، حتى إن عكرمة نفسه كانت تصله فيتألم ، فقد روى حماد بن زيد عن أيوب أنه قال : قال عكرمة : رأيت هؤلاء الذين يكذبونني ، يكذبونني من خلفي ، أفلا يكذبونني في وجهي؟ فإذا كذبوني في وجهي فقد والله كذبوني. ثم نراه
__________________
(١) أخرجه البخاري (١٢ / ٤٢٤) كتاب الدعوات باب ما يكره من السجع (٦٣٣٧).
(٢) التفسير والمفسرون (١ / ١٠٩ ، ١١٠).