كثير في التفسير (١).
ومن المعلوم أن الشخص الذي يفسر نصّا من النصوص ، يتلون هذا النص بتفسيره إياه ، وينطبع بطابعه الخاص ، وفق قدرته الفكرية ، وسعة اطلاعه وأفقه العقلي غير أن هذا الطابع الشخصي الذي يطبع به التفسير ، إن ظهر جليّا واضحا في كتب التفسير بالرأي ، فإنا لا نكاد نجده لأول وهلة على هذا النحو من الوضوح والجلاء بالنسبة لكتب التفسير بالمأثور.
أسباب ضعف الرواية بالمأثور :
ذكرنا فيما تقدم أن تفسير بعض القرآن ببعض ، وتفسير القرآن بالسنة الصحيحة المرفوعة إلى النبي صلىاللهعليهوسلم لا شك في قبوله ، ولا خلاف في أنه من أعلى مراتب التفسير.
وأما تفسير القرآن بالمأثور عن الصحابة والتابعين فإنه يتطرق إليه الضعف من وجوه :
أولها : ما دسّه أعداء الإسلام مثل زنادقة اليهود والفرس ، فقد أرادوا هدم هذا الدين المتين عن طريق الدس والوضع ، حينما أعيتهم الحيل في النيل منه عن طريق الحرب والقوة ، وعن طريق الدليل والحجة.
ثانيها : ما لفقه أصحاب المذاهب المتطرفة ترويجا لتطرفهم : كشيعة علي المتطرفين الذين نسبوا إليه ما هو منه بريء ، ومثل أولئك المتزلفين للعباسيين فنسبوا إلى ابن عباس ما لم تصح نسبته إليه ، تملقا واستدرارا لدنياهم.
ثالثها : اختلاط الصحيح بغير الصحيح ، ونقل كثير من الأقوال المعزوة إلى الصحابة أو التابعين من غير إسناد ولا تحر ؛ مما أدى إلى التباس الحق بالباطل.
زد على ذلك أن هناك من يرى رأيا يعتمده دون أن يذكر له سندا ، ثم يجيء من بعده فينقله على اعتبار أن له أصلا ، ولا يكلف نفسه البحث عن أصل الرواية ، ولا من يرجع إليه القول.
رابعها : أن تلك الروايات مليئة بالإسرائيليات ، ومنها كثير من الخرافات التي تصادم العقيدة الإسلامية ، والتي قام الدليل على بطلانها ، وهي مما دخل على المسلمين من أهل الكتاب (٢).
__________________
(١) ينظر : د. الذهبي : التفسير والمفسرون (١ / ١٥٤ ـ ١٥٦).
(٢) ينظر : الزرقاني : مناهل العرفان في علوم القرآن (٢ / ٢٣ ، ٢٤) ، ومحمد علي الصابوني ، التبيان في علوم القرآن ص ٦٦ ، ٦٧.